والصواب ، وما هو إلا ما أعلنه الله وبيّنه بوساطة رسله وكتبه ؛ وإليك مثالا واحدا ـ وإن كانت الأمثلة كثيرة ـ ترى فيه نفس ما تقرؤه في هذه الرسالة بلسان آخر ، وهو كلام استاذ الفيض صدر الدين الشيرازى ـ قدسسره ـ حيث يقول (١) :
«... ثمّ إنّي قد صرفت قوّتي في سالف الزمان ـ منذ أول الحداثة والريعان ـ في الفلسفة الإلهيّة ، بمقدار ما اوتيت من المقدور ، وبلغ إليه قسطي من السعي الموفور ، واقتفيت آثار الحكماء السابقين ، والفضلاء اللاحقين ، مقتبسا من نتائج خواطرهم وأنظارهم ، مستفيدا من أبكار ضمائرهم وأسرارهم ؛ وحصّلت ما وجدته في كتب اليونانيين والرؤساء المعلمين ، تحصيلا يختار اللباب من كل باب ، ويجتاز عن التطويل والإطناب ، مجتنيا في ذلك طول الأمل مع قصر العمل ، معرضا من إسهاب الجدل مع اقتراب الساعة والأجل ، طلبا للجاه الوهميّ ، وتشوّقا إلى الترؤس الخيالي ، من غير أن تظفر الحكمة بطائل ، أو يرجع البحث إلى حاصل ، كما يرى من أكثر أبناء الزمان ، من مزاولي كتب العلم والعرفان ، من حيث كونهم منكبّين أولا بتمام الجدّ على مصنّفات العلماء ، منصبّين بكمال الجهد إلى مؤلفات الفضلاء ...
فألجأني خمود الفطنة وجمود الطبيعة لمعاداة الزمان وعدم مساعدة الدوران إلى أن انزويت في بعض نواحي الديار ، واستترت بالخمول والانكسار ؛ منقطع الآمال منكسر البال ، متوفّرا على فرض أؤدّيه ، وتفريط في جنب الله أسعى في تلافيه ؛ لا على درس القيه ، أو تأليف أتصرّف فيه ...
فتوجّهت توجّها غريزيا نحو مسبّب الأسباب ، وتضرّعت تضرّعا جبليّا إلى مسهّل الامور الصعاب ، فلمّا بقيت على هذا الحال من الاستتار والانزواء والخمول والاعتزال زمانا مديدا وأمدا بعيدا ، اشتعلت نفسي لطول المجاهدات اشتعالا نوريّا ، والتهب قلبي لكثرة الرياضات التهابا قويّا ، ففاضت عليها أنوار الملكوت ، وحلت بها خبايا الجبروت ، ولحقتها الأضواء الأحديّة ، وتداركتها الألطاف الإلهيّة ...».
__________________
(١) ـ الأسفار الأربعة : ١ / ٤ ـ ٨.