نعم ، القوم لا علم لهم من الشيعة بشيء وهم يكتبون عنهم كلُّ شيء!! ، وأشدّ من هذا غرابة وأبعد شذوذاً أنَّ جماعة من أبناء السُنَّة في العراق لا يعرفون من أحوال الشيعة شيئاً مع دنوِّ الدار وعصمة الجوار.
كتب إليَّ قبل بضعة أشهر شاب مهذَّب عريق بالسيادة من شيعة بغداد : أنَّه سافر إلى لواء الدليم ( وهو اللواء المتصل ببغداد ) (١) وأكثر أهاليه من السُنَّة ، فكان يحضر نواديهم فيروق لهم حديثه وأدبه ، ولمّا علموا أنَّه من الشِّيعة صاروا يعجبون ويقولون : ما كنّا بحسب أنَّ في هذه الفرقة أدباً وتهذيباً فضلاً عن أن يكونوا ممَّن له علم أو دين!! وما كنّا نظنّهم إلاّ من وحوش القفر وشذاذ الفلوات!!
وكان هذا الشاب يستثير حميتي بقوارص الملام ، ويحثّني بالطلب المتتابع على أنْ أكتب عن الشِّيعة رسالة موجزة تُنشر بين الأُمم الجاهلة ، وتعرِّفهم ـ ولو النزر اليسير ـ من أحوال هذه الطائفة ومعتقداتها ودياناتها.
ثم بعد برهة سافر هذا الشّاب إلى سوريا للاصطياف ، وعرج منها إلى مصر ، فكتب إليَّ : يا سيدي الحال عن الشِّيعة عند أهالي مصر هي الحال التي أنبأتُك عنها في لواء الدليم ، والصورة تلك الصورة. ثم يقول لي : أفما آن لك أنْ تفي بوعدك ، وتقوم بواجبك؟ فإن الشِّيعة مصوَّرة عند القوم بأبشع صورة يتصوّرها انسان ... إلى آخر ما كتب ، وحقاً ما كتب وإنْ طال وأطنب.
فمن هذا كلّه ، وأضعاف مثله ممّا نجده في الصحف المصرية والسّورية وغيرها ، وما تنشره مقالاتهم آونة بعد اُخرى من قذف تلك الطائفة بكلِّ عظيمة (٢) ، ونبزهم بكلِّ عظيمة ، هم منها براء براءة يوسف الصدِّيق
__________________
(١) وهو الآن يدعى بـ : محافظة الأنبار.
(٢) العَضَة والعِضَة والعضيهة : الكذب والبهتان.
القاموس المحيط ٤ : ٢٨٨.