...................................................
__________________
ونحن وإنْ لم نكن في معرض اثبات بطلان الشبهات القائلة بأنَّ الامامية عيال على المعتزلة في أُصول عقائدهم ، أو أنَهم مقلِّدون لهم ، أو غير ذلك من التفاهات المردودة ، والتي تصدَّى لاثبات بطلانها وردها الكثير من علماء الطائفة ومفكريها بشكل واضح وجلي لا جدوى من الاستفاضة في التعرُّض له ، مع ادراكنا الواضح بأنَّ المجال هنا لا يتسع لها ، إلاّ إنّا سنحاول من خلال هذه الاسطر المحدودة الاشارة المختصرة إلى الاختلافات الجوهرية بين هاتين العقيدتين الاسلاميتين.
فالأُصول الخمسة التي تشكَل أساس مذهب الاعتزال ـ والتي هي : التوحيد ، والعدل ، والوعد والوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكرـ تترتَّب عليها دون شك جملة مفاهيم وتصورات تشكِّل القاعدة العقائدية للمعتزلة ، والتي تبدو عند مقارنة الكثير منها بآراء الامامية شديدة التباين ، واسعة الاختلاف ، وَلعلَّ من جملة تلك الآراء المنبعثة عن تلك الأُصول ، والتي خالفهم بها الامامية ، وتعرَّضوا لهم فيها بالمناقشة والابطال : قولهم بأنِّ الاشياء كانت قبل حدوثها أشياء ، والجواهر أيضاً كانت في حال عدمها جواهر ، وكذا هو حال الاعراض والالوان والحركات.
ومن ذلك أيضاً : قولهم بان الانسان هو الذي يصنع أفعاله بنفسه ، متوافقين في ذلك مع القدرية ، وذاهبين فيه إلى التفويض.
ومن ذلك ايضاً : ما ذهبوا اليه من أنَّ الوفاء بالوعيد واجب على الله تبارك وتعالى ، خلاف الامامية الذين يذهبون إلى عدم وجوبه.
ومن ذلك ايضاً : قولهم بأنَّ مرتكب الكبيرة بين الايمان والكفر ، وأنَّه يُخلَّد في النار ، حين إنَّ الامامية يذهبون إلى اعتباره مؤمناً فاسقاً مستحقاً للعقاب على قدر ما أجرم.
يضاف إلى ذلك جملة واسعة من الاختلافات الجوهرية في مسائل الصفات ، والحسن والقبح العقليين ، ووجوب اللطف ، والشَّفاعة ، والتي شغلت في مؤلَّفات أصحابنا رحمهم الله تعالى مساحات واسعة ، وجوانب مهمة ، بل إنَّ العديد من أعلام الطائفة أفردوا العديد من مؤلَّفاتهم للرد على عقائد المعتزلة ابان تلك الحقب السالفة والتي شهدت فترة الاحتدام ، والصراع الفكري والعقائدي بين عقائد الفرق الاسلامية المختلفة ، أمثال شيخنا المفيد رحمه الله تعالى ( ت ٤١٣ هـ ) حيث ألَّف كتاباً في الرد على الجاحظ المعتزلي ، وآخر في نقض فضائل المعتزلة ، وكذا كتابه الشهير ( الفصول المختارة ) وكتاب ( الوعيد ) وغيرها ، وحيث تعرَّض رحمه الله تعالى برحمته الواسعة إلى إيراد جملة ارائهم التي خالفوا بها الشِّيعة في مطاوي كتابه الشهير المعروف بـ ( أوائل المقالات ) والتي كان من أوضحها : انكارهم