...................................................
__________________
الفرق المختلفة باتهامهم البعض للآخر ، والطعن فيه وتكفيره ، بل واشتداد حدة هذا الخلاف بينهم حتى تصل في أحيان عدة الى وقوع صراعات دموية مؤسفة أُريقت فيها الدماء ، واستبيحت فيها الاموال والاعراض!!
بلى إنَّ ذلك كان ممّا يروق لاؤلئك الحكّام ويثلج صدورهم ، بل ومداعاة لاطالة أمد حكمهم ، وتلك حقيقة لا يعسر على أحد تلمُّسها وادراكها. من خلال مراجعة الفترة الزمنية التي شهدت ولادة العديد من تلك الفرق ابان القرن الهجري الثاني وما بعده ، وانضواء الكثيرين واتَّباعهم لزعماء تلك المذاهب ومفكريها ، وبالتالي توظيف امكاناتهم المختلفة في الدفاع عن هذه عقائد ورد عقائد الاخرين وتوهينها.
هذا في الوقت الذي كان فيه الائمة من أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم يواصلون جهدهم الرصين في خدمة هذا الدين الحنيف ، حيث كانت تعج مدارسهم ومجالسهم ـ في الكوفة والبصرة وبغداد ـ بالألاف من الطلبة والدارسين ، ويتزايد عدد شيعتهم ومريديهم بشكل بيِّن أقلق المراكز الفاسدة وأعوانها ، بل وحتىِ رموز بعض المذاهب الاسلامية المختلفة مع الاسف الكثير ، فكانوا في أحيان كثيرة عوناً مع السلطة الظالمة على اخوانهم في الدين ، فتأمَّل.
ثم إنَّ الملفت للنظر كون حدة ذلك الصراع الفكري آنذاك كانت على أشدها بين مدرستين كبيرتين هما : الاشاعرة ، والمعتزلة ، وحيث تتلخص قضية ذلك الخلاف في جمود المحدِّثين والفقهاء على النصِّ ، وعزلهم العقل عن الدين ، بل وتجريده عن جميع صلاحياته الثابتة والتي نادت بها جميع الاديان ، حين كان يقابلهم ـ على الضد ـ موقف المعتزلة المفرط في تحكيم العقل ، وبالشكل الذي أثار الطرف الآخر ، فحدثت بينهما هذه الفجوة الرهيبة.
هذا والحكّام يجدون في ذلك الامر تدعيماً لاركان حكمهم ، وتثبيتاً لملكهم ، فوقفوا إلى جانب الاشاعرة ـ بعد أنْ كانوا ميّالين إلى المعتزلة ومقرِّبين لهم ـ وتبنوا آرائهم ، وطعنوا في آراء الاخرين بعد أنْ أقرُّوا أربعة من المذاهب الفقهية الاسلامية وأعرضوا عن غيرها.
إنَّ هذا الموقف المتعجرف دفع إلى الظل بالكثير من الآراء والعقائد الأُخرى ، وبالتالي تهيئة المجال لخدم السلطة والمتحجرين من أتباع المذهب الذي تؤمن به السلطة إلى الطعن بعقائد الآخرين ، وتزييف الكثير من الحقائق والثوابت ، وتركيز جملة مشوشة وهجينة من الاطروحات الباهتة ، ومن ضمنها هذا الخلط الواضح بين عقائد الشِّيعة الامامية وبين عقائد المعتزلة.