...................................................
__________________
وللحقِّ أقول : إنِّ مجرد التأمُّل البسيط في الظروف المحيطة بظهور هذه الرواية ، وما يمكن أنْ تترتب عليها من نتائج اذا ذهب البعض إلى التسليم بصحتها ، رغم تناقضاتها الصريحة والواضحة ، بل وما تحاول ابرازه إلى سطح الواقع من شواهد محددة ومعروفة لدىَ الجميع ، يشير بدون لبس إلى غرض المؤامرة التي تبدو فيها أصابع الامويين وبصماتهم واضحة جلية ، وذلك من خلال استقراء الاحداث المروية في المراجع والتي قيل أنِّ هذا الرجل قام بتدبيرها بين البصرة ، والكوفة ، والشام ، ومصر ، وخلال فترة زمنية محدودة ، وما ترتب عليها بعد ذلك من نتائج واسعة وخطيره لا يمكن لاحد التسليم بصحتها ، والجزم بوقوعها إلاّ اذا جافى الحقيقة والمنطق ، وأعرض عن حكم العقل وحجته ، بل ولا بُدَّ ـ وكما ذكرت سابقا ـ من أنْ تتأكَّد لديه هذه الحقيقة وهذا الدور المفضوح لتلك الشجرة الملعونة في القرآن في صياغة واشاعة هذه الاسطورة المضحكة والمهلهلة ، وهو ما اثار الكثير من الباحثين والدارسين حتى دفعهم صراحة إلى القول بأن أعداء الشّيعة ادخروا هذه الاسطورة وتفننوا في حياكتها للطعن بهم ، فجاء الخلمف من بعد فتلقّف ما قال الاوَّلون وسلّموا بصحته دون أدنى دراسة وتأمُّل فوقعوا في الشراك وشاركوا من سبقهم في ظلم الشِّيعة والافتراء عليهم ، وذلك مما تتفطَّر له القلوب أسى وتأسفاً ...
ولعل الملفت للنظر أنَّ الاسطورة المنسوجة حول دور عبدالله بن سبأ في صناعة الاحداث التي عصفت بالدولة الاسلامية خلال حكم الخليفة عثمان بن عفان ، ودوره في خداع الشعوب ـ كما تجده مسطوراً في الكتب اللاحقة بكتاب الطبري ـ وحشدها لتنفيذ خطته للاطاحة بالخليفة ، وغفلتها ( اي تلك الشعوب ) المثيرة للتعجب والاستغراب ، تجدها متصاغرة متواضعة ، وذليلة عاجزة أمام طاعة أهل الشام ـ شام معاوية آنذاك ـ للدولة الاسلامية وحكّامها ، وأنَّهم هم الذين لم يُغيروا ولم يُبدلوا ، بل إنَّ ابن سبأ لم يجد له فيها أذناً صاغية لدعوته ، حين وجد في أهل مصر ضالته ، هذا اذا علمنا بأنَّ لمصر الدور الاكبر في الثورة على عثمان بن عفان حينها ... اذن فلا متمسِّك بدين الاسلام في هذه الاسطورة إلاّ الشام ، ويا حسرة على ما سواها من الشعوب المنحرفة اللاهثة وراء الفتنة وأصحابها!! فتأمَّل.
والخلاصة : إنَّ قصة ابن سبأ ـ إنْ سلِّمنا بوجود شخص بهذا الاسم ، لانّ هناك أقوال وتصريحات قائمة على دراسات علمية رصينة تذهب الى نفي وجود هذهِ الشخصية ، كما ذهب الى ذلك العلامة السيَّد مرتضى العسكري في كتابه المعروف عبدالله بن سبأ وأساطير اُخرى ـ اسطورة نُسجت حول شخصية تافهة منحرفة ، وبولغ فيها أشد المبالغة حتى أمست أقرب منها إلى حكايات العجائز في ليال الشتاء الباردة ، بل ومثيرة للاستخفاف والاستهجان ،