بل لكلّ واحد من نوابغ شعراء تلك العصور القصائد الرنّانة ، والمقاطيع العبقرية في مدح أئمَّة الحقِّ ، والتشنيع على ملوك زمانهم بالظلم والجور ، وإظهار الولاء لاولئك والبراءة من هؤلاء.
فلقد كان دعبل يقول : إني أحمل خشبتي على ظهري منذ أربعين سنة ، فلم أجد من يصلبني عليها. وكان قد هجا الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم ، ومدح الصادق والكاظم والرضا ، وأشعاره بذلك مشهورة ، وفي كتب الأدب والتاريخ مسطورة (١).
هذا كله في أيام قوة بني اُميَّة وبني العباس ، وشدة بأسهم وسطوتهم ، فانظر ماذا يصنع الحقُّ واليقين بنفوس المسلمين ، واعرف هنالك حقَّ الشجاعة والبسالة ، والمفاداة والتضحية ، وهذا بحث طويل الذيل ينصب ـ لو أردنا استيفاءه ـ انصباب السيل ، وليس هو المقصود الان بالبيان ، وإنَّما المقصود بيان مبدأ [ شجرة ] التشيع وغارسها في حديقة الإسلام ، وشرح أسباب نشوئها ونموِّها ، وسموِّها وعلوِّها. وما تكلّمتُ عن عاطفة ، بل كباحث
__________________
إنِّي أبيتُ قَليلُ
النَّوم أرَّقَنِي |
|
قَلبٌ تَصارعَ فيهِ
الهَمَّ والهِمَم |
يا لِلرجالِ أما
لله مُنتَصِرٌ |
|
مِن الطُّغاةِ؟
أما لله منتقم؟ |
بَنُو عليٍ رعايا
في ديارِهمُ |
|
والامرَ تَملكُهُ
النسوانُ والخَدمُ |
محلَّئونَ فاصفى
شربَهُمُ وَشَل |
|
عندَ الورُود وَأوفى
ودَهُم لممُ |
أتَفخَرون عليهم
لا أباً لكُم |
|
حتَّى كأنَّ رسولُ
اللهِ جَدَّكُم! |
ولا تَوازنَ فيما
بينكم شَرَفٌ |
|
ولا تَساوَت لكم
في موطِن قَدَمُ |
بِئسَ الجَزاءُ جَزَيتُم
في بَني حَسَن |
|
أباهُم العَلَمُ
الهادي وأُمَّهُم |
يا باعَةَ الخَمر
كُفُّوا عن مَفاخِرِكُم |
|
لِمَعشَر بَيعهُم
يَومَ الهِياج دَمُ |
الركنُ وَالبيتُ
والاستارُ مَنزلَهُم |
|
وَزَمزَمُ والصَّفا
والحجِرُ والحَرَمُ |
(١) راجع ترجمتنا له في التراجم الملحقة بالكتاب.