كشعلة نار في نفوس بعض الشِّيعة ، تدفعهم الى ركوب الأخطار ، وإلقاء أنفسهم على المشانق ، وتقديم أعناقهم أضاحي للحقِّ ، وقرابين للدِّين.
اعطف بنظرك في هذا المقام إلى حجر بن عدي الكندي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، ورشيد الهجري ، وميثم التّمار ، وعبدالله بن عفيف الازدي ، إلى عشرات المئات من أمثالهم ، اُنظر كيف نطحوا صخرة الضلال والجور وما كسرت رؤوسهم حتى كسروها وفضخوها ، وأعلنوا للملأ بمخازيها ، فهل تلك الإقدامات والتضحية من اولئك الليوث كانت لطمع مال ، أو جاه عند أهل البيت عليهمالسلام ، أو خوفاً منهم وهم يومئذ الخائفون المشرَّدون؟! كلا ، بل عقيدة حقّ ، وغريزة إيمان ، وصخرة يقين.
ثم اُنظر إلى فطاحل الشُّعراء في القرن الأول والثاني ، مع شدة أطماعهم عند ملوك زمانهم ، وخوفهم منهم ، ومع ذلك كلّه لم يمنعهم عظيم الطمع والخوف ـ والشاعر ماديٌّ على الغالب ، والسلطة مِن خلفهم ، والسيوف مشهورة على رؤوسهم ـ أن جهروا بالحقِّ ونصروه ، وجاهدوا الباطل وفضحوه.
خُذ من الفرزدق ، إلى الكُميت ، الى السيِّد الحميري ، إلى دعبل ، إلى ديك الجنِّ ، الى أبي تمّام ، إلى البُحتري ، إلى الأمير أبي فراس الحمداني صاحب الشافية :
الدِّينُ مختُرمٌ والحَقُّ مُهتَضَمُ |
|
وَفَيءُ آل رسُولِ اللهِ مُقتَسَمُ |
إلى آخر القصيدة ، راجعها واُنظر ما يقول فيها (١).
__________________
(١) تعد هذه القصيدة من روائع هذا الشاعر المبدع المتوفى سنة (٣٥٧ هـ) ، ومنها :
الحَقّ مهتضمِ
والدِّينُ مُختَرمُ |
|
وَفَيء رَسولِ
اللهِ مُقتَسَمُ |
وَالناسُ عندك
لاناسٌ فيَحفظَهُم |
|
سَومُ الرُّعاة
ولاشاءٌ ولا نعِمُ |