وينشف دمه ، ويرم عظمه حتى يوم حشره ونشره ، فينشر من قبره وينفخ في صوره ، ويدعى لحشره ونشوره ، فثم بعثرت قبور ، وحصلت سريرة صدور ، وجيء بكل نبي وصديق ، وشهيد ونطيق ، وقعد للفصل رب قدير بعبده بصير خبير ، فلكم من زفرة تفنيه ، وحسرة تقصيه ، في موقف مهيل ومشهد جليل ، بين يدي ملك عظيم ، بكل صغيرة وكبيرة عليم ، حينئذ يلجمه عرقه ، ويحصره قلقه ، عبرته غير مرحومة ، وصرخته غير مسموعة وحجته غير مقبولة ، تنشر صحيفته ، وتبين جريرته ، حيث نظر في سوء عمله ، وشهدت عينه بنظره ، ويده ببطشه ، ورجله بخطوه ، وفرجه بلمسه وجلده بمسه ، وتهدده منكر ونكير ، وكشف له عن حيث يصير ، فسلسل جيده ، وغلغل ملكه يده ، وسيق يسحب وحده ، فورد جهنم بكرب وشدة ، وظل يعذب في جحيم ، ويسقى شربة من حميم ، تشوي وجهه وتسلخ جلده ، وتضربه زبنيته بمقمع من حديد ، يعود جلده بعد نضجه كجلد جديد ، يستغيث فتعرض عنه خزنة جحيم ، ويستصرخ فلم يجب ، ندم حيث لم ينفعه ندمه ، نعوذ برب قدير ، من شر كل مصير ، ونسأله عفو من رضي عنه ، ومغفرة من قبل منه ، فهو ولي مسألتي ومنجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه ، جعل في جنة بقربه ، وخلد في قصور مشيدة وملك حور عين وحفدة ، وطيف عليه بكؤس ، وسكن حظيرة قدس في فردوس ، وتقلب في نعيم ، ويسقى من تسنيم ، وشرب من سلسبيل ، قد مزج بزنجبيل ، ختم بمسك ، مستديم للملك ، مستشعر للسرور ويشرب من خمور ، في روض مغدق ليس ينزف عقله.
هذه منزلة من خشي ربه ، وحذر نفسه ، وتلك عقوبة من عصي منشئه وسوّلت له نفسه معصيته ، فهو قول فصل ، وحكم عدل قصص قص ، ووعظ نص ، تنزيل من حكيم حميد ، نزل به روح قدس منير مبين من عند رب كريم