الشريعة ولموضع تنزيه اللّه تعالى له من ارتكاب كل مكروه.
وكذلك لو علم عيسى انه أفضل منه لما جاز ان يقتدي به لموضع تنزيه اللّه تعالى له من الرياء والنفاق والمحاباة ، بل لما تحقق الامام انه اعلم منه جاز له ان يتقدم عليه ، وكذلك قد تحقق عيسى ان الامام اعلم منه فلذلك قدمه وصلى خلفه ، ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالامام ، فهذه درجة الفضل في الصلاة ، ثم الجهاد هو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى اللّه تعالى بذلك ، ولولا ذلك لم يصح لأحد جهاد بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ولا بين يدي غيره.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول اللّه سبحانه : (ان اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والفرقان ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (١٢٥٤) ، ولأن الامام نائب الرسول صلى اللّه عليه وآله في أمته ، ولا يسوغ لعيسى عليه السلام ان يتقدم على الرسول فكذلك على نائبه.
ومما يؤيد هذا القول هو ما رواه الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه في حديث طويل في نزول عيسى فمن ذلك ، قالت : أمّ شريك بنت أبي العكر يا رسول اللّه فأين العرب يومئذ؟ قال : هم يومئذ قليل ، وجلهم ببيت المقدس ، وإمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ أنزل عليهم عيسى بن مريم عليه السّلام الصبح فيرجع ذلك الامام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى «ع» فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول تقدم.
قلت : هذا حديث صحيح ثابت ذكره ابن ماجة في كتابه (١٢٥٥) عن أبي إمامة الباهلي قال : خطبنا رسول اللّه «ص» وهذا مختصره.
__________________
(١٢٥٤) سورة التوبة الآية ١١١.
(١٢٥٥) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٢٦٧ ضمن حديث طويل.