في المقام الإشارة إلى أنّ الخلط الذي حصل كان بسبب عدم التمييز بين الجهاد الابتدائي على مستوى التنظير وسيرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والفلسفة الحقوقية التي تنطلق منها مشروعيّته ، وبين ما حصل من ممارسة في فتوحات البلدان ، فإنّ الانطباع الذي أورثته تلك الممارسات في أذهان الأمم الأخرى عاد عقبة كئودا أمام انتشار الدين الإسلامي في أرجاء المعمورة.
فالدين الإسلامي ـ بناء على هذا الانطباع ـ غطاء يحرز من وراءه جمع الثروات ، واستعباد البشر في صورة الرقيق ، ولقضاء النزوات بعنوان ملك الإماء ، فيهلك الحرث في البلدان ، ويبيد النسل البشري فيها ، وتحت ركام هذه الصورة حاولت تلك المجموعة من المثقّفين والكتّاب في الدول الإسلاميّة القيام بعملية الغسيل ، وتمييز الوجه الناصع للدين الحنيف عن تلك الممارسات ، لكنّها خلطت بين حقيقة الجهاد الابتدائي وفلسفته الحقوقية التي ينطلق منها ، وبين ما حصل من ممارسات باسم الجهاد الابتدائي في الفتوحات التي جرت ، ونفتح أمام القارئ ملفّة كي يتبيّن له حقيقة الحال.
أغراض تشريع الجهاد الابتدائي
إنّ أغراض هذا التشريع للجهاد الابتدائي كما تدلّ عليه مجموع الآيات القرآنية المتعرّضة للجهاد الابتدائي ـ والتي تقدّمت الإشارة إلى بعضها ـ في الدين الحنيف ، كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١).
فإنّ هذه الآية تحدّد معلما مهمّا من معالم الجهاد ، وإنّ الغرض فيه ليس جمع الغنائم والأموال والاسترقاق ، بل قيادة الجموع البشرية وهدايتها إلى طريق الله وعبادته.
__________________
(١). النساء / ٩٤.