أنّها في سبيل الله ، كما في قوله تعالى (الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ ...) (١) وهي الآية الرابعة من التي تقدّمت في مديح المهاجرين ، وكذا قوله تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) (٢) وقيّدت بقيّة الآيات الهجرة بقيد في سبيل الله ، كما قيّد الجهاد أنّه في سبيل الله مع الهجرة ، ومن ثمّ تظافرت الأحاديث النبويّة في بيان أنّ الهجرة حكمها تابع لنيّة المهاجر فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فله الحسنى في العقبى ، ومن كان هجرته إلى حطام الدنيا من مال يصيبه أو امرأة ينكحها أو ولاية يصيبها فله ما هاجر إليه وخسر حظّه في الآخرة ، وكذلك وردت الأحاديث في الجهاد كذلك. وعلى ذلك فليس كلّ من قام بالهجرة البدنية المكانية من مكّة إلى المدينة يكون ممّن هاجر في الله وإلى الله ورسوله والمديح مخصوص بمن هاجر في الله وإلى الله ورسوله ، لا كلّ من هاجر ولو بنيّة إصابة الدنيا.
تحقيق في عنوان المهاجر والأنصاري
إنّ المتتبّع للاستعمال القرآني لمادة الهجرة والنصرة في هيئة الفاعل عند الاطلاق وعدم التقييد بقرينة معينة لا يراد به كل من انتقل ببدنه من مكة أو غيرها إلى المدينة المنورة مظهرا للإسلام ، كما أنّ الأنصاري ليس كلّ من أظهر الاسلام وكان قاطنا في المدينة وحواليها ، وإنّ إجراء الاستعمال بهذا المعنى الوسيع وحصول التوسّع عن المعنى الأوّل إنّما وقع وشاع في الألسن لتخيل تطبيق المعنى اللغوي بلحاظ مطلق الانتقال المكاني ، واستدعاء ذلك المقابلة مع من لم ينتقل من موطنه وهو الأنصاري ، مع وجود الدوافع السياسية المقتضية لهذا التعميم كي تجد مستندا للشرعية فيما تقدّم عليه.
بل المقتنص من التتبع للآي القرآني هو أنّ الهجرة والمهاجر عند الاطلاق من دون تقييد يراد به من انتقل من موطنه وبلاد المشركين إلى المدينة بقصد طاعة الله وفي سبيل
__________________
(١). النحل / ٤١.
(٢). النساء / ١٠٠.