بحيث لا مجال للإخفاء ، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء ، ويبكي له من في الأرض والسماء ، وتنهدّ منه الجبال وتنشقّ الصخور ، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور ومرّ الدهور ، فلعنة الله على من باشر ، أو رضي ، أو سعى ، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى.
فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد ، مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك ويزيد.
قلنا : تحاميا عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ، كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ، ويجري في أنديتهم. فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوامّ بالكلّية طريقا إلى الاقتصاد في الاعتقاد ، وبحيث لا تزلّ الأقدام عن السواء ، ولا تضلّ الأفهام بالأهواء ؛ وإلّا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟! وكيف لا يقع عليهما الاتّفاق؟! وهذا هو السرّ في ما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال ، وسدّ طريق لا يؤمن أن يجرّ إلى الغواية في المآل ، مع علمهم بحقيقة الحال وجليّة المقال ؛ وقد انكشف لنا ذلك حين اضطربت الأحوال ، واشرأبّت الأهوال (١).
تحليل مفاد هذه المقولة والمسألة
لقد أطلنا في نقل عيّنتين ممّا ذكره ابن السبكي في كتابه في أصول الفقه ، والتفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام ؛ لأنّهما نموذجان لكلمات أكثرهم في كتب أصول الفقه وعلم الكلام والحديث ، كالذي ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم في باب فضائل الصحابة ، أو ابن حجر العسقلاني في شرحه للبخاري في تلك الأبواب ، أو الإيجي والجرجاني في شرح المواقف ، وما يذكروه في كتب الرجال والتراجم والتواريخ ،
__________________
(١). شرح المقاصد ٥ / ٣١٠ ـ ٣١١.