الإعجاز الحضاري ، مثل : روح التضحية والفداء والشهادة ، والتشكيلة الجديدة للعلائق الاجتماعية ـ وإن كان هذا البناء هو في طوره الأوّل في النمو ، وقد اعتوره آثار وبقايا الجاهلية السابقة ، المتمثّلة بتدبير السقيفة وتغيير رأس نظام المسلمين ـ لا سيّما وأنّ المسلمين شاهدوا أيّام الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم تحقّق الوعد الإلهي بنصر الروم ، بل العرب ، على الفرس وكسرى ؛ فقد كانت قبائل العرب ـ وفيها الكثير ممّن أسلم ـ ترفع شعار : «يا محمّد يا محمّد» في معركة ذي قار فهزموا عدوهم ، وقال عنها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أوّل معركة انتصف فيها العرب من العجم ، وبي نصروا» (١).
مضافا إلى ناموس العدالة والمساواة والسوية بين آحاد المسلمين ، الذي أصبح أصلا اجتماعيا عظيما يهدّد كلّ أمير أو خليفة يحاول أن يعتمد الإقطاع القبلي الجاهلي أساسا في سياسته وحكمه للمسلمين ، وإلى درجة يهابها ويحسب لها ألف حساب.
وهذه الظاهرة هي التي حاكمت الخليفة الثالث وقضت عليه ، وهي التي خنقت وحاصرت حزب السقيفة والحزب القرشي عن التلاعب في كلّ مقدرات المسلمين إلى حدّ ما نسبيا ، لكن هذه الظاهرة النيرة سرعان ما تضاءلت عند وصول الأمويّين إلى سدة الحكم ، وذلك لأنّ النور لا بدّ له من مدد ، وقد ضيّع المسلمون المدد ، وهو رأس السلطة الهادي إلى الحقّ ، الإمام المعصوم.
المحطّة الثانية
الممارسات المرتكبة في البلدان المفتوحة
نتعرّض ـ في هذه المحطّة ـ إلى مقتطفات من ملف هذه الممارسات ، وما ارتكب منها في أثناء الفتح وما بعده ، والتي عادت بانتكاس الخطّ البياني لانتشار الإسلام. فنذكر
__________________
(١). الأغاني ٢٠ / ١٣٢ ـ ١٣٨ ، الطبقات ـ لابن سعد ـ ٧ / ٧٧ ، الطبقات ـ لخليفة ـ : ٨٧ ، مسند أحمد : ١٢٩ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٠٦ ، معجم القبائل ـ لكحالة ـ ١ / ٩٧.