الآخر ، كما ينبغي الالتفات إلى فلسفة اللعن في نفسه أو في الوسط الداخلي ؛ إذ أنّه مصداق لطبيعة التولّي والتبرّي ، التي مرّ أنّها فريضة قرآنية اعتقادية ، كما أنّه مصداق لطبيعة إنكار المنكر ـ ولو بالقلب واللسان ـ وكراهة الباطل ، وبالتالي فإنّه أسلوب تربوي للنفوس يقيمها على الحقّ ويبعدها عن استحسان الباطل ، فإنّه من أكبر الأدواء في المجتمعات استنكار الحقّ واستحسان الباطل والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
وقال عليهالسلام في خطبة له :
وإنّي لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم ولكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي (١).
وهذا أصل بالغ الأهمّية لطريقة إصلاح الآخرين : أن لا تكون على حساب فساد المصلح نفسه ؛ فقد يداري المصلح الطرف الآخر لدرجة يضيّع فيها على نفسه وطائفته موقف الثبات على الحقّ ، ويؤدّي إلى ذوبانه في الباطل والانحراف باسم المداراة للإصلاح ، وبادّعاء أنّ الإصلاح قد يستلزم تخلّي الطائفة المحقّة عن بعض مبادئها وضرورياتها لتربية الطائفة نفسها.
إنّ لمعرفة الأهمّية البالغة للأمر بالمعروف والحقّ والنهي عن المنكر والباطل دور كبير في ثبات هوية المجتمع الديني ، ونظامه الاجتماعي ، وحصانته أمام الغزو الثقافي والعقائدي الأجنبي الدخيل ، الموجب للتحلّل الخلقي ولعدم التزام أفراد المجتمع تجاه مقدّسات الملّة والأمّة والمسئوليات الملقاة على عاتقهم.
الوحدة وشعائر المذهب
وهذه الوظيفة التي تؤدّيها فريضة التولّي والتبرّي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ من إيجاد الغيرة الدينية وحسّ المسئولية الاجتماعية الدينية ـ تتأدّى بآليات
__________________
(١). نهج البلاغة : خطبة ٦٩.