النبيّ هارون عليهالسلام ونموذج الوحدة
وقوله تعالى حكاية عن هارون بعد عبادة بني إسرائيل العجل : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (١) ملحمة قرآنية يسطرها لنا القرآن الكريم تبيانا لموقف هارون وصيّ موسى عليهالسلام بعد ما ضلّ كثير من بني إسرائيل عن الهدى إلى عبادة العجل واتّباع السامري. ففي الوقت الذي راعى فيه هارون وحدة بني إسرائيل وحافظ عليها ، إلّا أنّه لم يتّبع ضلال أكثرية بني إسرائيل والسامري في عبادة العجل لتحقيق الوحدة ، بل قال لهم : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (٢) ؛ فقام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
وكان الأسلوب الذي اتّخذه لا بنحو يؤدّي إلى فرقة بني إسرائيل ولا بنحو ذوبانه هو في الانحراف وترك طريق الإصلاح ، لا سيّما وأنّه لم تكن لديه القدرة على الالتجاء إلى القوّة في الإصلاح ، كما قال : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) (٣) وهو يدلّ على مدى رفض هارون عليهالسلام للانحراف الحاصل لدى بني إسرائيل ومقاومته السلمية الثابتة لهم بلا مهادنة حتّى كادوا أن يقتلوه.
والذي قام به هارون عليهالسلام هو الذي أوصاه به موسى عليهالسلام : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (٤) ، فأمره بالإصلاح ونهاه عن اتّباع سبيل المفسدين ، ومن ثمّ لمّا رجع موسى إلى قومه وقال : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي* قالَ يَا بْنَ أُمَّ ...) (٥).
وكانت مساءلة موسى عليهالسلام عن عدم اتّباع هارون عليهالسلام له ، أي عن عدم مفارقة هارون لبني إسرائيل ولحوقه بموسى كي يحلّ عليهم العذاب ، أو عن عدم مقاتلته لتيّار الانحراف
__________________
(١). طه / ٩٤.
(٢). طه / ٩٠.
(٣). الأعراف / ١٥٠.
(٤). الأعراف / ١٤٢.
(٥). طه / ٩٢ ـ ٩٤.