نتفا من ذلك :
الأوّل : إدخال الطلقاء من قريش في سدّة الأمور
وهؤلاء حديثو عهد بالإسلام وأحكامه ، لم يسلموا طوعا ورغبة ، بل رهبة منهم على نوازع الجاهلية وأخلاقها ، فصبغت سلوكياتهم الأحداث. فقد ذكر اليعقوبي : أنّ أبا بكر لمّا أراد غزو الروم أشار عليه الصحابة بأن لا يفعل ، وأشار عليه عليّ عليهالسلام بأن يفعل وبوقوع الظفر ، فأمر الناس بالتجهّز إلى الروم والخروج ، وجعل أميرهم خالد بن سعيد ، وكان خالد من عمّال رسول الله باليمن ، فقدم وقد توفّي رسول الله فامتنع عن البيعة ومال إلى بني هاشم ، فلمّا عهد أبو بكر لخالد قال له عمر : أتولّي خالدا وقد حبس عنك بيعته وقال لبني هاشم ما قد بلغك؟ فو الله ما أرى أن توجّهه. فحلّ لواءه ، ودعا يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ، فعقد لهم (١). وهذه سياسة اتّبعتها سلطة السقيفة لإبعاد المهاجرين والأنصار وتقريب الطلقاء.
ونظيره عند ما استعصى الأمر على أبي بكر في مواجهة قبائل كندة والأشعث بن قيس ، فعزم على الاستعانة بعليّ عليهالسلام في المواجهة ، فمنعه عمر من ذلك ؛ تخوّفا من موقف عليّ عليهالسلام بعدم حكمه بردّتهم ، وأمره بتأمير عكرمة بن أبي جهل (٢).
ولمّا استتمّت فتوح فارس وكان لعمّار بن ياسر الدور الكبير في تجهيز الجيوش فيها ، كتب أهل الكوفة إلى عمر يشكونه من عمّار ويسألونه أن يعزله عنهم ، فقال عمر : أيّها الناس! ما تقولون في رجل ضعيف غير أنّه مسلم تقي ، وآخر فاجر قويّ ، أيّهما أصلح للإمارة؟! فأشار عليه المغيرة بن شعبة بأنّ : القوي الفاجر فجوره على نفسه وقوّته لك وللمسلمين. فقال عمر : صدقت يا مغيرة! اذهب فقد ولّيتك الكوفة (٣).
__________________
(١). لاحظ : تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٣٣.
(٢). كتاب الفتوح ـ لابن أعثم ـ ١ / ٥٧.
(٣). كتاب الفتوح ٢ / ٣٢١.