وهذا النصّ يظهر لنا منطق سلطة السقيفة في تنصيب أمراء الجيوش والولاة بأنّ الفجور غير ضارّ ، وهو مع قوّة بطش الأمير والوالي أصلح من التقي والمتورّع عن المحارم ، وإلّا فكيف يكون عمّار بن ياسر ضعيفا في ولايته على الكوفة مع أنّه هو الذي عبّأ أهل الكوفة مرّات وكرّات لحرب دولة الأكاسرة ، ويكون المغيرة بن شعبة أصلح لولاية الكوفة مع فجوره واشتهاره بالزنا في البصرة؟!
وقد اعترض على عمر في سياسته هذه ؛ وتعرّض للمساءلة عن سبب استعماله سعيد بن العاص ومعاوية وفلانا وفلانا من المؤلّفة قلوبهم ومن الطلقاء ، وتركه استعمال المهاجرين والأنصار (١). واعترض حذيفة على عمر : إنّك تستعين بالرجل الفاجر. فقال عمر : إنّي لأستعمله لأستعين بقوّته ، ثمّ أكون على قفائه (٢).
وقد دافع البيهقي عن فعل عمر بأنّ : «ذلك في المنافقين الّذين لم يعرفوا بالتخذيل والإرجاف. والله أعلم» (٣). رغم أنّ عمر روى عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «من استعمل فاجرا وهو يعلم أنّه فاجر فهو مثله» (٤) ، وقال عمر : «نستعين بقوّة المنافق وإثمه عليه» (٥).
والمتتبّع لأمراء الجيوش والولاة في عهد الثلاثة يرى الكثير منهم من المؤلّفة قلوبهم والطلقاء من قريش ، أو مسلمة قبيل الفتح ، كخالد بن الوليد وأمثاله ، والسبب الحقيقي وراء ذلك هو أنّ جماعة السقيفة إنّما أتوا إلى السلطة بفضل قوّة الإرهاب القبلي الذي مارسه حزب قريش وبنو أمية على المسلمين في المدينة أيام السقيفة ـ كما ترصده الأحداث آنذاك ـ وتعاقد الصحيفة التي مرّت الإشارة إليها ، فمصدر قوّة
__________________
(١). شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ٢٨ ـ ٣٠.
(٢). كنز العمّال ٥ / ٧٧١ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٩ / ٣٦.
(٣). السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٩ / ٣٦.
(٤). كنز العمّال ٥ / ٧٦١.
(٥). كنز العمّال ٤ / ٦١٤.