قطنوا الجزيرة العربية لأجل ذلك استعدادا لظهوره كما ذكر ذلك القرآن :
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (١).
فكانوا يتوعدون الكفّار بالنصر عليهم بالنبي الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي يملك العرب ، فمعالم ظهوره صلىاللهعليهوآلهوسلم وسلطته على الجزيرة منتشرة الآفاق قبل أن يبعث صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل إنّ المديح خاصّ بالمؤمنين قلبا حقّا منهم خاصّة ويشهد لذلك النقطة الثانية الآتية.
ثمّ أن هناك سورة مكيّة أخرى وسورة النحل (٧٠ نزولا) فيها إشارة إلى ظهور النفاق قبل الهجرة أيضا :
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ* أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ* لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢).
فالاستثناء جملة معترضة وسياق الآية هكذا (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) وجيء ب : «لكن» للاستدراك من المستثنى وأنّ المراد بالكفر هو من شرح بالكفر صدرا.
وقيل : أنّ من شرح بالكفر صدرا نزلت في عبد الله بن سعد ابن أبي سرح من بني عامر بن لؤي وظاهر لفظ الجمع في الآيات يعطي أنّها فئة ومجموعة وأنّ سبب كفرهم بعد إيمانهم ليس إكراه المشركين لهم على ذلك بل هو استحباب الحياة الدنيا فطبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم.
النقطة الثانية : أنّ آيات الهجرة الكثير منها يقيّد الهجرة بكونها لله تعالى وبنيّة
__________________
(١). البقرة / ٨٩.
(٢). النحل / ١٠٦ ـ ١٠٩.