الله وإلى الله ورسوله كما أشارت إلى ذلك الآيات المتقدّمة وكقوله تعالى (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (١) ، وقوله تعالى (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) (٢) ، وقوله تعالى (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣) وقد اقترن ذكر عنوان الهجرة كثيرا في الآيات (٤) مع الجهاد في سبيل الله ومع الإيمان أو مع الأذية في سبيل الله والقتل في سبيله أو مع الصبر ، وقد وردت الأحاديث النبويّة في تفسير الهجرة الشرعية بذلك.
فالهجرة عند الاطلاق بذلك المعنى كما هو الحال في مقام الثناء والمديح لها كفعل عبادي من الطاعات والقربات العظيمة ، بخلاف ما إذا قيّد الاستعمال بقيد معين ، كترتيب أحكام خاصّة من قبيل حلّ المناكحة وحرمة الدم والمال ونحوها ، ولذلك ترى في قوله تعالى (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) (٥) أنّه لم يكتفى بالهجرة الظاهرية من دون التحقّق من حصول الهجرة الواقعية الحقيقية ، التي هي مقيّدة بالإيمان القلبي وكونها في الله وفي سبيل الله وإلى الله ورسوله ، وكذلك الحال في الاستعمال الآي القرآني ، قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) (٦) ، وقال تعالى (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٧) ، وقال (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ
__________________
(١). النساء / ١٠٠.
(٢). الحج / ٥٨.
(٣). العنكبوت / ٢٦.
(٤). البقرة / ٢١٨ ، آل عمران / ١٩٥ ، الأنفال / ٧٢ و ٧٤ و ٧٥ ، التوبة / ٢٠ ، النحل / ٤١.
(٥). الممتحنة / ١٠.
(٦). الصف / ١٤.
(٧). الأعراف / ١٥٧.