أَجْراً عَظِيماً) (١) فتشترط الآية شرط الوفاء بالعهد وعدم النكث به شرطا لحسن العاقبة والمثوبة فالموافاة للعهد عند الموت وعدم النكث والتبديل شرط في ذلك كما هو الحال في بقيّة المؤمنين إلى يوم القيامة.
ويشير إلى ذلك قوله تعالى أيضا في آخر السورة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ... وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢) فإنّ قيد المغفرة والأجر بمن آمن قلبا منهم وعمل صالحا ، بل أنّ لفظة (منهم) دالّة على التبعيض وأنّ ليس كلّ الذين معه صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم وعد بالحسنى بل خصوص من اتّصف بالقيد منهم ، فالتقييد والتبعيض احتراز عن إيهام العموم في صدر الآية.
ويشير إلى مثل هذا القيد في مدح المهاجر والأنصاري ، قوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً* لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٣) ، حيث دلّت الآية على اشتراط عدم التبديل في المؤمنين كي ينالوا الأجر وأن الموافاة والوفاء وعدم التبديل شرط في وصف المؤمنين بالصدق. وقد اشتهر عند الصحابة أنّهم إذا أرادوا أن يقدحوا في واحد منهم أن يقولوا أنّه بدّل كما هو دائر في ألسنتهم في الفتن التي وقعت بينهم.
ب ـ وكذلك هناك قيد آخر ذكرته الآيات كشرط في المديح وهو اتصافهم بأنّهم رحماء بينهم أشداء على الكفّار أي اللين والرأفة فيما بينهم والشجاعة أمام الكفّار ، كقوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) في سورة الفتح.
وقوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ* طاعَةٌ
__________________
(١). الفتح / ١٠.
(٢). الفتح / ٢٩.
(٣). الأحزاب / ٢٣ ـ ٢٤.