ثمّ إنّ الخوارج اعتزلوا ، وبدءوا المسلمين ـ الإمام ومن معه ـ بالقتال ، فسار إليهم عليّ رضى الله عنه.
وجرى على المسلمين منهم أمور هائلة يطول وصفها.
ومع هذا كلّه لم يكفّرهم الصحابة ، ولا التابعون ، ولا أئمّة الإسلام ، ولا قال لهم عليّ ولا غيره من الصحابة : قامت عليكم الحجّة ، وبيّنّا لكم الحقّ.
قال الشيخ تقيّ الدين : لم يكفّرهم عليّ ولا أحدٌ من الصحابة ، ولا أحدٌ من أئمّة الإسلام ، انتهى (١).
فانظر ـ رحمك الله ـ إلى طريقة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الإحجام عن تكفير من يدّعي الإسلام.
هذا ، وهم الصحابة رضي الله عنهم الذين يروون الأحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم.
قال الإمام أحمد : صحّت الاحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من عشرة أوجه.
قال أهل العلم : كلّها خرّجها مسلم في (صحيحه).
فانظر إلى هدي أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأئمّة المسلمين ، لعلّ الله يهديك إلى اتّباع سبيل المؤمنين ، وينبّهك من هذه البليّة التي تزعمون الآن أنّها السُنّة ، وهي ـ والله ـ طريقة القوم ، لا طريقة عليّ ومن معه ، رزقنا الله اتّباع آثارهم.
فإن قلت : عليٌّ نفسه قتل الغالية ، بل حرّقهم بالنار ـ وهم مجتهدون ـ.
والصحابة قاتلوا أهل الردّة.
قلت : هذا كلّه حقٌّ ، فأمّا الغالية : فهم مشركون زنادقة ، أظهروا الإسلام تلبيساً ، حتّى أظهروا الكفر ظهوراً جليّاً لا لبس فيه على أحدٍ.
__________________
(١) لاحظ مجموع فتاوى ابن تيمية : ٧ / ٦١٨.