فالفتنة (١) قائمة ولو مع قيام النص. ولو سلم ، فالكلام فيما إذا لم يوجد النص إذ لا عبرة بالبيعة والاختيار على خلاف ما ورد به النص ، ولا خفاء في أن الفتنة القائمة من عدم الإمام أضعاف فتنة النزاع في تعيينه.
الرابع ـ أن الإمامة خلافة الله (٢) ورسوله فتتوقف على استخلافهما بوسط أو لا بوسط. والثابت باختيار الأمة لا يكون خلافة منهما ، بل من الأمة ، ورد بأنه لما قام الدليل من قبل الشارع وهو الإجماع على أن من اختاره الأمة خليفة لله ورسوله ، كان خليفة سقط ما ذكرتم ، ألا ترى أن الوجوب بشهادة الشاهد (٣) وقضاء القاضي ، وفتوى المفتي حكم الله لا حكمهم. على أن الإمام وإن كان نائبا لله فهو نائب للأمة أيضا.
الخامس ـ أن القول بالاختيار يؤدي إلى خلو الزمان عن الإمام ، وهو باطل بالاتفاق ، وذلك فيما إذا عقد أهل بلدتين لمستعدين ، ولم يعلم السبق. فإنه لا يمكن الحكم بصحتهما لاحتمال المقارنة ، ولا بفسادهما لاحتمال السبق ، ولا بتعين الصحيح لعدم الوقوف ، وحينئذ لا يمكن نصب إمام آخر لاحتمال كونه ثانيا ، ورد بأنه ينصب إمام بعدم العلم بوجود الإمام على أنه يمكن الترجيح بجهاته.
السادس ـ أن سيرة النبي (صلىاللهعليهوسلم) وطريقته على أنه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة وغيرها من البلاد في غيبة مدة قليلة ، ولا البيان في أدنى ما يحتاج إليه من الفرائض والسنن والآداب ، حتى في أمر قضاء الحاجة ، ومسح الخف ، ونحو ذلك ، فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة والبيان فيما هو أساس المهمات؟
والجواب أن ذلك مجرد استبعاد على أن التفويض إلى اختيار أهل (٤) الحل
__________________
(١) الفتنة : ما يتبين به حال الإنسان من الخير والشر يقال : فتنت الذهب بالنار إذا أحرقته بها لتعلم أنه خالص أو مشوب ، ومنه الفتانة ، وهو الحجر الذي يجرب به الذهب والفضة.
(٢) في (ب) خلافة رسول الله بدلا من (خلافة الله ورسوله).
(٣) الشاهد : في اللغة عبارة عن الحاضر ، وفي اصطلاح القوم عبارة عما كان حاضرا في قلب الإنسان ، وغلب عليه ذكره فإن كان الغالب عليه العلم فهو شاهد العلم ، وإن كان الغالب عليه الوجد فهو شاهد الوجد ، وإن كان الغالب عليه الحق فهو شاهد الحق.
(٤) في (ب) أصحاب بدلا من (أهل).