يربى وزرها على أجرها فكان من حقهم أن يدرءوا بها جميع الكبائر ، فإذا لم يفعلوا ذلك ، بطل هذيانهم بتغالب الأعمال وسقوط أقلها بأكثرها. ومما يجب التنبيه أنه لا فرق عندهم بين أن يكون المعاصي طارئة على الطاعات أو سابقة عليها ، أو متخللة بينهما ، وأن ما يوهم به كلام البعض من اختصاص الحكم بما إذا كانت الكبيرة طارئة ليس بشيء.
قال : المبحث الثاني عشر ـ اتفقت الأمة
(اتفقت الأمة على العفو عن الصغائر مطلقا ، وعن الكبائر بعد التوبة ، وعلى أنه لا عفو عن الكفر على اختلاف في الجواز عقلا ، واختلفوا في العفو عن الكبائر بدون التوبة ، فجوزه أصحابنا ، بل أثبتوه ، ومنعه المعتزلة سمعا ، وإن جاز عقلا عند الأكثرين منهم. لنا على الجواز أن العقاب حقه. فله إسقاطه. وعلى الوقوع النصوص الناطقة :
(وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (١) (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٢) (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٣) (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤)
وفي الأحاديث أيضا كثرة ، والتخصيص بالصغائر أو بما بعد التوبة أو الحمل على تأخير العقوبات المستحقة ، أو عدم شرع الحدود في غاية المعاصي ، أو على ترك وضع الآصار عليهم. والفضائح في الدنيا ، مع كونه عدولا عن الظاهر بلا دليل ومخالفة لأقوال المفسرين وللأحاديث الصحيحة الصريحة مما لا يصح في البعض ، إذ المغفرة بالتوبة لا يخص ما دون الشرك ، ولا يلائم التعليق بالمشيئة ، وباقي المعاني لا يناسب النفي عن الشرك).
ونطق الكتاب والسنة بأن الله تعالى عفو غفور يعفو عن الصغائر مطلقا ، وعن الكبائر بعد التوبة ، ولا يعفو عن الكفر قطعا ، وإن جاز عقلا ، ومنع بعضهم الجواز
__________________
(١) سورة الشورى آية رقم ٢٥.
(٢) سورة المائدة آية رقم ١٥.
(٣) سورة الزمر آية رقم ٥٣.
(٤) سورة النساء آية رقم ٤٨ ، ١١٦.