الجهل والنقص والخروج من القوة إلى الفعل على التدريج ، ومن احتمال الغلط ، قوية على الأفعال العجيبة وإحداث السحب والزلازل ، وأمثال ذلك ، مطلعة على أسرار الغيب ، سابقة إلى أنواع الخير ، ولا كذلك حال البشر.
والجواب أن مبنى ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة.
ومنها أن أعمالهم المستوجبة للمثوبات أكثر لطول زمانهم ، وأدوم لعدم تخلل الشواغل ، وأقوم لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقصة للثواب ، وعلومهم أكمل وأكثر لكونهم نورانيين روحانيين ، يشاهدون اللوح المحفوظ المنتقش بالكائنات ، وأسرار المغيبات.
والجواب أن هذا لا يمنع كون أعمال الأنبياء وعلومهم أفضل وأكثر ثوابا لجهات أخر ، كقهر المضاد والمنافي ، وتحمل المتاعب والمشاق ، ونحو ذلك على ما مر.
قال : المبحث الثامن ـ
(الولي (١) هو العارف بالله تعالى ، الصارف همته عما سواه. والكرامة ظهور أمر خارق للعادة من قبله ، بلا دعوى النبوة ، وهي جائزة ولو بقصد الولي ، ومن جنس المعجزات لشمول قدرة الله تعالى. وواقعة كقصة مريم (٢) وآصف ، وأصحاب الكهف ، وما تواتر جنسه من الصحابة والتابعين ، وكثير من الصالحين. وخالفت المعتزلة لأنها توجب التباس النبي بغيره ، إذ الفارق هو المعجزة ، والخروج عن بعض العادة لكثرة الأولياء ، وانسداد باب إثبات النبوة لاحتمال أن تكون المعجزة إكراما ، لا تصديقا ، والإخلال بعظم قدر الأنبياء لمشاركة الأولياء.
والجواب أن الكرامة لا تقارن دعوى النبوة ، وكثرتها تكون استمرار نقض العادة ، والمقارنة للدعوى تفيد القطع بالصدق عادة ، والكرامة تزيد جلالة قدر
__________________
(١) الولي : فعيل : بمعنى الفاعل : وهو من توالت طاعته من غير أن يتخللها عصيان ، أو بمعنى المفعول فهو من يتوالى عليه إحسان الله وأفضاله ، والولي : هو العارف بالله وصفاته بحسب ما يمكن المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي ، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات.
(٢) قال تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). سورة آل عمران آية رقم ٣٧.