يحكى عن المعتزلة من أنه لا بد في صحة الإسلام من النظر والاستدلال والاقتدار على تقرير الحجج ، ودفع الشبهة ، فبطلانه يكاد يلحق بالضروريات من دين الإسلام. والظاهر أن المراد أن ذلك واجب ، وإن صح الإيمان بدونه. فإن أرادوا الواجب على الكفاية فوفاق ، إذ لا بد في كل صقع ممن يقوم بإقامة الحجج ، وإزاحة الشبه ومجادلة الخصوم. وإن أرادوا الواجب على كل مكلف بحيث لا يسقط بفعل البعض ، ففيه الخلاف. وأما المقلد فقد ذكر بعض من نظر في الكلام ، وسمع من الإمام أنه لا خلاف في إجراء أحكام الإسلام عليه ، والاختلاف في كفره راجع إلى أنه هل يعاقب عقاب الكافر؟ فقال الكثيرون : نعم ، لأنه جاهل بالله ورسوله ودينه. والجهل بذلك كفر ، ومثل قوله تعالى :
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (١) وقوله (صلى الله تعالى عليه وسلم) : «من صلى صلاتنا ، ودخل مسجدنا ، واستقبل قبلتنا ، فهو مسلم» (٢) محمول على الإسلام في حق الأحكام ، وقال بعض ذوي التحقيق منهم : إنه وإن كان جاهلا لكنه مصدق ، فيجوز أن ينتقص عقابه لذلك.
قال : المبحث السادس ـ الكفر عدم الإيمان عما من شأنه.
(وهو أعم من التكذيب لشموله الكافر الخالي عن التصديق والتكذيب ، وقال القاضي : هو الجحد بالله وفسر بالجهل ، ورد بأن الكافر قد يعرف الله ويصدق به والمؤمن قد لا يعرف بعض أحكامه فأجيب بأن المراد الجحد به في شيء مما علم قطعا أنه من أحكامه ، أو الجهل بذلك إجمالا وتفصيلا ، وقالت المعتزلة : هو قبيح أو إخلال بواجب يستحق به أعظم العقاب ، وفيه خفاء ظاهر.
فإن قيل : قد يكفر المكلف بعض أفعاله مع أن تصديقه بحاله.
__________________
(١) سورة النساء آية رقم ٩٤.
(٢) الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الإيمان ٢٨ والترمذي في كتاب الإيمان ٢ باب ما جاء في قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم أمرت بقتالهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة. ٢٦٠٨ ـ بسنده عن أنس ابن مالك قال : قالرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وذكره ـ قال الترمذي وهذا حديث حسن صالح حسن صحيح غريب من هذا الوجه.