لانتفاع المكلفين بهم في الدنيا ، وهم كثير من العوام ، والعبيد ، والنسوان وصاحب الجمل عند المتكلمين هو الذي يعتقد الجمل التي اتفق عليها أهل الملة. ولا يدخل في الاختلافات بل يعتقد أن ما وافق منها تلك الجمل فحق. وما خالفهما فباطل ، وتلك الجمل هي أن الله تعالى واحد لا شريك له (١) ولا مثل (٢) ، وأنه لم يزل قبل الزمان والمكان والعرش ، وكل ما خلق ، وأنه القديم ، وما سواه محدث وأنه عدل (٣) في قضائه ، صادق في إخباره لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ، ولا يكلفهم ما لا يطيقونه ، وأنه مصيب حكيم محسن في جميع أفعاله وفي كل ما خلق وقضى وقدر ، وأنه بعث الرسل ، وأنزل الكتب ليتذكر من في سابق علمه أن يتذكر ويخشى ، ويلزم الحجة على من علم أنه لا يؤمن ويأبى. وأن الرضاء بقضائه واجب ، والتسليم لأمره لازم ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، لا كالإضلال الذي علم به الشيطان. إلى غير ذلك من العقائد الإسلامية.
فإن قيل : أكثر أهل الإسلام آخذون بالتقليد قاصرون أو مقصرون في الاستدلال ، ولم تزل الصحابة ومن بعدهم من الأئمة ، والخلفاء ، والعلماء ، يكتفون منهم بذلك ويجرون عليهم أحكام المسلمين ، فما وجه هذا الاختلاف؟ وذهاب كثير من العلماء والمجتهدين إلى أنه لا صحة لإيمان المقلدين.
قلنا : ليس الخلاف في هؤلاء الذين نشئوا في ديار الإسلام من الأمصار ، والقرى ، والصحارى ، وتواتر عندهم حال النبي (عليهالسلام) وما أوتي به من المعجزات ، ولا في الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض (٤) واختلاف الليل والنهار فإنهم كلهم من أهل النظر والاستدلال ، بل فيمن نشأ على شاهق جبل مثلا ، ولم يتفكر في ملكوت السموات والأرض فأخبره إنسان بما يفترض عليه اعتقاده ، فصدقه فيما أخبره بمجرد إخباره من غير تفكر وتدبر ، وأما ما
__________________
(١) قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ).
(٢) قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
(٣) قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)
(٤) قال تعالى : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ).