والجواب أن ترك التنصيص على معين ليس إهمالا)
من النبي (صلىاللهعليهوسلم) أن يهمل مثل هذا الأمر الجليل ، وقد بين ما هو بالنسبة إليه أقل من القليل.
والجواب أن ترك النص الجلي على واحد بالتعيين ليس إهمالا بل تفويض معرفة الأحق الأليق إلى آراء أولي الألباب ، واختيار أهل الحل والعقد من الأصحاب ، وأنظار ذوي البصيرة (١) بمصالح الأمور ، وتدبير سياسة الجمهور ، مع التنبيه على ذلك بخفيف الإشارة ، أو لطيف العبارة نوع بيان لا يخفى حسنه على أهل العرفان.
قال : المبحث الخامس ـ الإمام
(بعد رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) أبو بكر (رضي الله عنه). وقالت الشيعة : علي. لنا إجماع أهل الحل والعقد وإن كان من البعض بعض توقف ، وقد ثبت انقياد علي لأوامره ونواهيه وإقامة الجمعة والأعياد معه وتسميته خليفة ، والثناء عليه حيا وميتا والاعتذار عن التأخر في البيعة ، وأيضا اتفقوا على أن الإمام أبو بكر ، أو علي ، أو العباس. ثم أنهما لن ينازعاه فتعين. وحديث التقية تضليل للأمة. ولو كانت ، لكانت في زمن معاوية ، وقد يتمسك بقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ ..) (٢) الآية.
فالداعي المفترض الطاعة أبو بكر عند المفسرين ، وعمر عند البعض ، وفيه المطلوب. وبقوله (صلىاللهعليهوسلم) : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر (٣) وقوله (صلىاللهعليهوسلم) : الخلافة بعدي ثلاثون سنة (٤) وقوله (صلىاللهعليهوسلم) في مرضه : ائتوني بكتاب وقرطاس أكتب
__________________
(١) البصيرة : قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس يرى به صور الأشياء وظواهرها ، وهي التي يسميها الحكماء العاقلة النظرية والقوة القدسية.
(٢) سورة الفتح آية رقم ١٦ وتكملة الآية (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً).
(٣) الحديث رواه الإمام الترمذي في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما ٣٦٦٢ ـ بسنده عن حذيفة قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم : وذكره. قال الترمذي : هذا حديث حسن. وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضا عن ربعي عن حذيفة عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ، ورواه سالم الأنعمي ، كوفي عن ربعي ابن حراش عن حذيفة.
(٤) سبق تخريج هذا الحديث.