وقال أبو هاشم وأشياعه : يخلق فتاء واحد ، لا في محل ، فتفنى به الجواهر بأسرها.
وأما الثالث ـ وهو أن فناء الجوهر بانقطاع شرط وجوده. فزعم بشر أن ذلك الشرط بقاء يخلقه الله تعالى ، لا في محل ، فإذا لم يوجد عدم الجوهر. وذهب الأكثرون من أصحابنا والكعبي (١) من المعتزلة إلى أنه بقاء قائم به ، يخلقه الله تعالى حالا فحالا. فإذا لم يخلقه الله تعالى فيه ، انتفى الجوهر.
وقال إمام الحرمين بأنها الأعراض التي يجب اتصاف الجسم بها. فإذا لم يخلقها الله فيه فني. وقال القاضي في أحد قوليه : هو الأكوان التي يخلقها الله تعالى في الجسم حالا فحالا. فمتى لم يخلقها فيه انعدم.
وقال النظام إنه ليس بباق ، بل يخلق حالا فحالا فمتى لم يخلق فني.
وأكثر هذه الأقاويل من قبيل الأباطيل ، سيما القول : بكون الفناء أمرا محققا في الخارج ، وضدا للبقاء ، قائما بنفسه ، أو بالجوهر ، وكون البقاء موجودا إلّا في محل ، ولعل وجه البطلان غني عن البيان.
قال : المبحث الرابع ـ
(واختلفوا في أن الحشر إيجاد بعد الفناء ، أو جمع التفرق ، والحق التوقف.
احتج الأولون بوجوه :
الأول ـ الإجماع قبل ظهور المخالفين ، ورد بالمنع.
الثاني ـ قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (٢).
ولا يتصور إلا بانعدام المخلوقات ، وليس بعد القيمة وفاقا ، فيكون قبلها.
__________________
(١) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي من بني كعب البلخي الخراساني أبو القاسم ، أحد أئمة المعتزلة ، كان رأس طائفة منهم تسمى الكعبية ، وله آراء ومقالات في الكلام انفرد بها وهو من أهل بلخ أقام ببغداد مدة طويلة وتوفي بها عام ٣١٩ ه له كتب منها التفسير ، وتأييد مقالة أبي الهذيل وقبول الأخبار ، ومقالات الإسلاميين ، وباب ذكر المعتزلة ، وأدب الجدل ، وتحفة الوزراء وغير ذلك كثير راجع تاريخ بغداد ٩ : ٣٨٤ ، والمقريزي ٢ : ٣٤٨ ووفيات الأعيان ١ : ٢٥٢.
(٢) سورة الحديد آية رقم ٣.