أصحابنا بقاء قائم بالجسم يخلق الله فيه حالا فحالا. وقال إمام الحرمين الأعراض التي تحت اتصاف الجسم بها. وقال القاضي في أحد قوليه : الأكوان التي يخلقها فيه حالا فحالا. وقال: النظام (١) خلقه لأنه ليس بباق ، بل يخلق حالا فحالا.)
قد سبقت في مباحث الجسم إشارة إلى أن الأجسام باقية ، غير متزايلة على ما يراه النظام ، وقابلة للفناء ، غير دائمة للبقاء على ما يراه الفلاسفة قولا بأنها أزلية أبدية. والجاحظ (٢) ، وجمع من الكرامية (٣) قولا بأنها أبدية ، غير أزلية. وتوقف أصحاب أبي الحسين في صحة الفناء ، واختلف القائلون بها في أن الفناء بإعدام معدم ، أو بحدوث ضد ، أو بانتفاء شرط.
اما الأول ـ فذهب القاضي ، وبعض المعتزلة إلى أن الله تعالى يعدم العالم بلا واسطة ، فيصير معدوما كما أوجده كذلك ، فصار موجودا. وذهب أبو الهذيل إلى أنه تعالى يقول له : «افن» فيفنى ، كما قال له : (كُنْ) فكان.
وأما الثاني ـ فذهب جمهور المعتزلة إلى أن فناء الجوهر بحدوث ضد له هو الفناء ، ثم اختلفوا فذهب ابن الإخشيد إلى أن الفناء ، وإن لم يكن متحيزا ، لكنه يكون حاصلا في جهة معينة. فإذا أحدثه الله تعالى فيها ، عدمت الجواهر بأسرها. وذهب ابن شبيب إلى أن الله تعالى يحدث في كل جوهر فناء ، ثم ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني. وذهب أبو علي (٤) وأتباعه إلى أنه يخلق بعدد كل جوهر فناء لا في محل ، فتفنى الجواهر.
__________________
(١) سبق الترجمة له في هذا الجزء.
(٢) هو عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان الشهير بالجاحظ كبير أئمة الأدب ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ولد عام ١٦٣ في البصرة ، ومات والكتاب على صدره قتلته مجلدات من الكتب على رأسه عام ٢٥٥ ه له تصانيف كثيرة منها كتاب الحيوان ، والبيان والتبيين ، والبخلاء والمحاسن والأضداد والتبصر بالتجارة ، ومجموع رسائل اشتمل على أربع وهي ، المعاد والمعاش ، وكتمان السر وحفظ اللسان ، والجد والهزل ، والحسد والعداوة وغير ذلك كثير. راجع إرشاد الأريب ٦ : ٥٦ ـ ٨٠ والوفيات ١ : ٣٨٨.
(٣) سبق الكلام عنها في كلمة وافية.
(٤) سبق الترجمة له في الجزء الثاني من هذا الكتاب.