قال : المبحث الثاني المعجزة :
(أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي وعدم المعارضة ، وقيل : أمر قصد به إظهار صدق من ادعى النبوة والرسالة ، وزاد بعضهم قيد موافقة الدعوى. وبعضهم مقارنة زمن التكليف إذ عند انقراضه تظهر الخوارق ، لا لقصد التصديق).
مأخوذ من العجز المقابل للقدرة ، وحقيقة الإعجاز إثبات العجز استعير لإظهاره ، ثم أسند مجازا إلى ما هو سبب العجز ، وجعل اسما له ، فالتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية ، كما في الحقيقة وقيل للمبالغة كما في العلامة. وذكر إمام الحرمين بناء على رأي الأشعري (١) أن هاهنا تجوزا آخر ، هو استعمال العجز في عدم القدرة كالجهل في عدم العلم ، وهو في الحقيقة ضد للقدرة ، وإنما يتعلق بالموجود ، وبما يقدر عليه ، حتى إن عجز الزمن إنما هو عن القعود ، بمعنى أنه وجد منه اضطرارا لا اختيارا. فلو تحقق العجز عن المعارضة ، لوجبت المعارضة الاضطرارية ، والمعجزة في العرف أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة ، وإنما قال : أمر ليتناول الفعل كانفجار الماء من بين الأصابع وعدمه ، كعدم إحراق النار ، ومن اقتصر على الفعل ، جعل المعجز هاهنا كون النار (بَرْداً وَسَلاماً) (٢) وبقاء الجسم على ما كان عليه من غير احتراق ، واحترز بقيد المقارنة للتحدي عن كرامات الأولياء والعلامات الإرهاصية التي تتقدم بعثة الأنبياء ، وعن أن يتخذ الكاذب معجزة من مضى من الأنبياء حجة لنفسه ، وبقيد عدم المعارضة عن السحر والشعبذة ، كذا ذكره الإمام الرازي (٣) ، وفيه نظر :
__________________
(١) له ترجمة وافية في هذا الجزء.
(٢) سورة الأنبياء آية رقم ٦٩.
(٣) هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين أبو عبد الله ، فخر الدين الرازي ، الإمام المفسر ، أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل ، وهو قرشي النسب أصله من طبرستان ومولده في الرى عام ٥٤٤ ه ـ ويقال له «ابن خطيب الري» رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان وتوفي في هراه ـ