أما أولا : فلأنه لا بد من قيد الظهور على يد المدعي ، ومن جهته احترازا عن أن يتخذ الكاذب معجزة من يعاصره من الأنبياء حجة لنفسه ، وعن ان يقول : معجزتي ما ظهر مني في السنين الماضية ، فقد صرحوا بأنه لا عبرة بذلك ، ومن قيد الموافقة للدعوى احترازا عما إذا قال : معجزتي نطق هذا الجماد. فنطق بأنه مفتر كذاب. ولهذا قال الشيخ أبو الحسن : هي فعل من الله تعالى ، أو قائم مقام الفعل. يقصد بمثله التصديق ، وقال بعض الأصحاب : هي أمر قصد به إظهار صدق من ادعى الرسالة.
وأما ثانيا : فلأن القوم عدوا من المعجزات ما هو متقدم غير مقرون بالتحدي ، ولا مقصود به إظهار الصدق لعدم الدعوى حينئذ ، كإظلال الغمام ، وتسليم الحجر والمدر ، ونحو ذلك.
وأما ثالثا : فلأن المعجزة قد تتأخر عن التحدي ، كما إذا قال : معجزتي ما يظهر مني يوم كذا ، فظهرت.
ويمكن الجواب عن الأول بأن ذكر التحدي مشعر بالقيدين. فإن معناه طلب المعارضة فيما جعله شاهدا لدعوته ، وتعجيز الغير عن الإتيان بمثل ما أبداه. تقول : تحديت فلانا إذا باريته الفعل ، ونازعته الغلبة ، وتحديته القراءة أينا أقرأ. وبالتحدي يحصل ربط الدعوى بالمعجزة حتى لو ظهرت آية من شخص وهو ساكت لم يكن معجزة. وكذا لو ادعى الرسالة ، فظهرت الآية من غير إشعار منه بالتحدي. قالوا : ويكفي في التحدي أن يقول : آية صدقي أن يكون كذا وكذا. ولا يحتاج إلى أن يقول : هذه آيتي ولا يأتي أحد بمثلها ، فعلى هذا لا تكون معجزة نبي ماض ، ولا معاصر معجزة للغير.
وعن الثاني أن عد الإرهاصات من جملة المعجزات إنما هو على سبيل
__________________
ـ عام ٦٠٦ ه أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها ، وكان يحسن الفارسية من تصانيفه مفاتيح الغيب ، ولوامع البينات في شرح أسماء الله الحسنى ، والصفات ، ومعالم أصول الدين ، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين. وغير ذلك كثير. راجع طبقات الأطباء ٢ : ٢٣ والوفيات ١ : ٤٧٤