قد ثبت معراج النبي (صلىاللهعليهوسلم) بالكتاب والسنة ، وإجماع الأمة. إلا أن الخلاف في أنه في المنام أو في اليقظة؟ وبالروح فقط ، أو بالجسد؟ وإلى المسجد الأقصى فقط أو إلى السماء؟ والحق أنه في اليقظة بالجسد إلى المسجد الأقصى بشهادة الكتاب ، وإجماع القرن الثاني ومن بعدهم ، ثم إلى السماء بالأحاديث المشهورة ، والمنكر مبتدع ، ثم إلى الجنة أو العرش ، أو طرف العالم على اختلاف الآراء بخبر الواحد ، وقد اشتهر أنه نعت لقريش المسجد الأقصى على ما هو عليه ، وأخبرهم بحال غيرهم ، وكان على ما أخبر وبما رأى في السماء من العجائب ، وبما شاهد من أحوال الأنبياء على ما هو مذكور في كتب الأحاديث لنا أنه أمر ممكن أخبر به الصادق ، ودليل الإمكان أما تماثل الأجسام ، فيجوز الخرق على السماء كالأرض ، وعروج الإنسان كغيره ، وأما عدم دليل الامتناع وأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال ، وأيضا لو كان دعوى النبي (صلىاللهعليهوسلم) المعراج في المنام أو بالروح لما أنكره الكفرة غاية الإنكار ، ولم يرتد بعض من أسلم ترددا منه في صدق النبي (عليهالسلام) تمسك المخالف بما روي عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت : والله ما فقدت جسد محمد رسول الله ، وعن معاوية إنها كانت رؤيا صالحة ، وأنت خبير بأنه على تقدير صحة روايته لا يصلح حجة في مقابلة ما ورد من الأحاديث وأقوال كبار الصحابة ، وإجماع القرون اللاحقة.
قال : المبحث السادس
(الأنبياء معصومون عما ينافي مقتضى المعجزة كالكذب في التبليغ. وجوزه القاضي سهوا ، وعن الكفر ، وجوزه الأزارقة (١) حيث جوزوا الذنب مع القول بأن كل ذنب كفر ، وعن تعمد الكبار سمعا عندنا ، وعقلا عند المعتزلة ، وجوزه الحشوية
__________________
(١) الأزارقة : فرقة من فرق الخوارج التي تزعمها نافع بن الأزرق الذي توفي في حياة عبد الملك بن مروان عام ٦٥ ه وهو من أصل البصرة ، صحب في أول أمره عبد الله بن عباس ، وله أسئلة رواها عنه قال الذهبي مجموعة في جزء أخرج الطبراني بعضها في مسند ابن عباس من المعجم الكبير ، وكان وأصحاب له من أنصار الثورة على عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ووالوا عليا إلى أن كانت قضية التحكيم فاجتمعوا في حروراء ، وهي قرية من ضواحي الكوفة ونادوا بالخروج على علي ، وكان نافع جبارا فتاكا قاتله المهلب ابن أبي صفرة ، ولقى الأهوال في حربه وقتل يوم «دولاب» على مقربة من الأهواز.