في المهد بعبودية نفسه ، وربوبية الله ، لم يخل زمانا من التوحيد والشرائع ، ولم يلتفت إلى زخارف الدنيا ، ولم يستمتع بلذاتها ، ولم يدخر قوت يوم ، ولم يسع في هلاك نفس ، أو سبيها ، أو استرقاقها ، ولا في أخذ مال ولا ولد ، ولا إيذاء لأحد ، معجزاته من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص أبهر المعجزات وأشهرها ، ثم هو في السماء ، ومن زمرة الأحياء ، ونبوته مما اتفق عليها ذو والآراء ، واعترف بها خاتم الأنبياء.
والجواب : أن البعض من ذلك حجة لنا وشاهد بفضل نبينا ، كالولادة من المشركين والمشركات ، والتربي في حجرهم ، مع المواظبة على التوحيد والطاعات ، وكالإقبال على الجهاد ، وقمع المشركين ، وقهر أعداء الدين ، وكالقيام بمصالح نظام العالم ، مع الاستغراق في التوجه إلى جناب القدس. وأما معجزاته ، فإنما اشتهر تلك الشهرة بإخبار من نبينا وكتابه ، مع ذلك فأين هن من معجزاته؟ ثم الكون ميتا في الأرض أنفع للأمة من الكون حيا في السماء ، حيث صارت الروضة المقدسة مهبطا للبركات ، ومصعدا للدعوات ، وموطنا للاجتماع على الطاعات .. إلى غير ذلك من أنواع الخيرات .. ونبوة محمد (صلىاللهعليهوسلم) مما نطق به العجماء ، وشهد به رب الأرض والسماء واتفق عليه من سبقه من الأنبياء ، وخصائصه مما لا يضبطه العد والإحصاء وقد أشرقت الأرض بنورها إشراق الشمس في كبد السماء. فصياح الخصماء نباح الكلاب في الليلة القمراء ..
قال خاتمة
(معراج النبي صلىاللهعليهوسلم) إلى المسجد الأقصى ثابت بالكتاب (١) وهو في اليقظة وبالجسد بإجماع القرن الثاني ، ثم إلى السماء بالخير المستفيض ، ثم إلى الجنة أو إلى العرش أو إلى طرف العالم بخبر الواحد ، وما روي عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت : والله ما فقدت جسد رسول الله صلىاللهعليهوسلم). وعن معاوية أنها كانت رؤيا صالحة ، لا يعارض ما ذكرنا على أنه لو ادعى المعراج للروح أو في المنام لما نكره الكفار غاية الإنكار).
__________________
(١) قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).