بمحمد (عليهالسلام) والاتباع لشريعته لما فيهما من البشارة ببعثته ، والإنباء عن الاهتداء بمتابعته. فإن قيل : أليس عيسى (عليهالسلام) حيا بعد نبينا ، رفع إلى السماء ، وسينزل إلى الدنيا؟ قلنا : بلى ، ولكنه على شريعة نبينا ، لا يسعه إلا اتباعه ، على ما قال (عليهالسلام) في حق موسى أنه لو كان حيا لما وسعه إلا اتباعي ، فيصح أنه خاتم الأنبياء ، بمعنى أنه لا يبعث نبي بعده ، وأجمع المسلمون على أن أفضل الأنبياء محمد ، لأن أمته خير الأمم لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١) (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (٢).
وتفضيل الأمة من حيث إنها أمة تفضيل للرسول الذي هم أمته ، ولأنه مبعوث إلى الثقلين ، وخاتم الأنبياء والرسل ، ومعجزته الظاهرة الباهرة باقية على وجه الزمان ، وشريعته ناسخة لجميع الأديان ، وشهادته قائمة في القيامة على كافة البشر ، الى غير ذلك من خصائص لا تعد ولا تحصى. وقوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) (٣).
إشارة إلى ذلك ، والأحاديث الصحاح في هذا المعنى كثيرة ، حتى قال (عليهالسلام) : أنا أكرم الأولين والآخرين على الله تعالى ولا فخر. كما قال (عليهالسلام) : لا تخيروني على موسى ، وما ينبغي لعبد أن يقول : إني خير من يونس بن متى تواضع منه.
واختلفوا في الأفضل بعده ، فقيل : آدم ، لكونه أبا البشر. وقيل : نوح ، لطول عبادته ومجاهدته. وقيل : إبراهيم ، لزيادة توكله واطمئنانه. وقيل : موسى ، لكونه كليم الله ونجيه. وقيل : عيسى ، لكونه روح الله وصفيه. وفضله النصارى على الكل بأنه كلمة ألقاها إلى مريم وروح منه ، طاهر مقدس ، لم يخلق من نطفة ، وقد ولدته سيدة نساء العالمين المطهرة عن الأدناس ، وتربى في حجر الأنبياء والأولياء ، وتكلم
__________________
(١) سورة آل عمران آية رقم ١٩.
(٢) سورة البقرة آية رقم ١٤٣.
(٣) سورة البقرة آية رقم ٢٥٣.