والكمالات مع ولادته من المشركين والمشركات ، ونشأته فيما بينهم ، ومن دام على ملاحظة جناب القدس مع الشغل الظاهر بما يؤدي إلى نظام أمر العباد في المعاش والمعاد ، وإلى رفع قواعد الحق ، وهدم أساس الباطل بالجهاد ، ومن اختص بمعجزة باقية على وجه الزمان ، وروضته ظاهرة تأتيها الزوار ، وتستنزل بها البركات).
يريد أنه مبعوث إلى الثقلين ، لا إلى العرب خاصة ، على ما زعم بعض اليهود والنصارى زعما منهم أن الاحتياج إلى النبي إنما كان للعرب خاصة دون أهل الكتابين ، ورد بما مر من احتياج الكل إلى من يجدد أمر الشريعة ، بل احتياج اليهود والنصارى أكثر لاختلال دينهم بالتحريفات وأنواع الضلالات ، مع ادعائهم أنه من عند الله تعالى ، والدليل على عموم بعثته وكونه خاتم النبيين ، لا نبي بعده ، ولا نسخ لشريعته هو أنه ادعى ذلك بحيث لا يحتمل التأويل ، وأظهر المعجزة على وفقه ، وأن كتابه المعجز قد شهد بذلك قطعا كقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (١) (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٢) (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ...) (٣) الآيات (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٤) (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ) (٥).
لا يقال : ففي القرآن ما يدل على أن التوراة والإنجيل هدى للناس من غير تفرقة بين ما يوافق القرآن ويخالفه ، فيختص هداية القرآن وبعثة محمد (عليهالسلام) بقومه الذين هم العرب على ما يشير إليه بقوله :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (٦).
لأنا نقول : هما هدى للناس من قبل نزول القرآن ، أو هدى لهم إلى الإيمان
__________________
(١) سورة سبأ آية رقم ٢٨.
(٢) سورة الأعراف آية رقم ١٥٨.
(٣) سورة الجن الآيات رقم ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.
(٤) سورة الأحزاب آية رقم ٤٠.
(٥) سورة التوبة آية رقم ١٦.
(٦) سورة إبراهيم آية رقم ٤.