ففي الجملة قالوا بوجوب البعثة ولزوم النبوة. فمن قال هي واجبة في الحكماء أراد تبقية النظام على الوجه اللائق ، ومن قال في العناية أراد تمثل النظام في علمه الشامل. ومن قال في الطبيعة ، أراد وجود النظام الكامل. ولقد أفصح عن المقصود بعض الإفصاح من قال : إن المدبر الذي يسوق النوع من النقصان إلى الكمال لا بد أن يبعث الأنبياء ويمهد الشرائع كما هو موجود في العالم ، ليحصل النظام ويتعيش الأشخاص ويمكن لهم الوصول من النقصان إلى الكمال الذي خلقوا لأجله.
قال : المبحث الرابع محمد رسول الله
(صلىاللهعليهوسلم) لأنه ادعى الرسالة وهو ظاهر ، وأظهر المعجزة لأنه أتى بالقرآن المعجز (١) ، وأخبر عن المغيبات (٢) ، وظهر منه ما لا يعتاد من الأحوال. أما النوع الأول منه فبيان الإعجاز أنه (صلىاللهعليهوسلم) تحدى بأقصر سورة منه مصاقع البلغاء مع كثرتهم وشهرتهم بالعصبية ، فعدلوا عن المعارضة إلى المقارعة ، وهو دليل العجز ، ووجه الإعجاز عند الأكثرين كونه في الطبقة العليا من البلاغة ، وعند الكثيرين الصرفة ، وهي أن الله تعالى صرف العقول عن المعارضة مع القدرة عليها ، ورد بأن فصحاء العرب إنما كانوا يتعجبون من ذلك ، لا من عدم المعارضة مع سهولتها ، وبأن ترك كمال البلاغة أدخل في الإعجاز بالصرفة ، وبقوله تعالى :
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) (٣) .. الآية.
وقيل كونه على أسلوب غريب مخالف لما دل عليه كلامهم. وقيل سلامته عن الاختلاف والتناقض ، وقيل اشتماله على دقائق العلوم والحكم والمصالح. وقيل على الإخبار عن المغيبات ، وردت بأن خرافات مسيلمة وغيره على ذلك الأسلوب ، وكلام كثير من البلغاء والحكماء سالم عن الاختلاف والتناقض ،
__________________
(١) قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
(٢) وقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن بعض نسائه «من منكن تنبحها كلاب هجر».
(٣) سورة الإسراء آية رقم ٨٨ وتكملة الآية : (عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).