وعن الصغائر المنفرة وكذا تعمد غير المنفرة خلافا لإمام الحرمين ، وأبي هاشم ، والمختار عن سهو الكبيرة أيضا لنا لو صدر عنهم الذنب ، لزم حرمة اتباعهم ، ورد شهادتهم ، ووجوب زجرهم ، واستحقاقهم العذاب والذم ، وعدم نيلهم عهد النبوة ، وكونهم غير مخلصين ، وغير مسارعين في الخيرات ، وغير معدودين من المصطفين الأخيار ، واللوازم منتفية ، وفي قيام بعض الوجوه على الصغيرة ، وسهو الكبيرة نظر. احتج المخالف بما نقل من نسبة المعصية والذنب إليهم ، ومن توبتهم واستغفارهم. والجواب إجمالا رد ما نقل آحادا وحمل المتواتر والمنصوص على السهو ، أو ترك الأولى ، أو ما قبل البعثة ، أو نحو ذلك والتفاصيل في التفاسير).
في عصمة الأنبياء ، وقد سبق أن المعجزة تقتضي الصدق في دعوى النبوة وما يتعلق بها من التبليغ ، وشرعية الأحكام. فما يتوهم صدوره عن الأنبياء من القبائح إما أن يكون منافيا لما يقتضيه المعجزة كالكذب فيما يتعلق بالتبليغ أو لا. والثاني إما أن يكون كفرا ومعصية غيره ، وهي إما أن تكون كبيرة كالقتل والزنا ، أو صغيرة منفرة كسرقة لقمة ، والتطفيف بحبة. أو غير منفرة ككذبة ، وهمّ بمعصية. كل ذلك إما عمدا أو سهوا ، وبعد البعثة أو قبلها. والجمهور على وجوب عصمتهم (١) عما ينافي مقتضى المعجزة ، وقد جوزه القاضي سهوا زعما منه أنه لا يدخل في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر ، وقد جوزه الأزارقة من الخوارج بناء على تجويزهم الذنب ، مع قولهم بأن كل ذنب كفر ، وجوز الشيعة إظهاره تقية واحترازا عن إلقاء النفس في التهلكة ورد بأن أولى الأوقات بالتقية ابتداع الدعوة لضعف الداعي ، وشوكة المخالف وكذا عن تعمد الكبائر بعد البعثة ، فعندنا سمعا ، وعند المعتزلة عقلا ، وجوزه الحشوية (٢) إما لعدم دليل الامتناع ، وإما لما سيجيء من شبه الوقوع ،
__________________
(١) العصمة : ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها ، والعصمة المؤثمة : هي التي يجعل من هتكها آثما ، والعصمة المقومة : هي التي يثبت بها للانسان قيمة بحيث من هتكها فعليه القصاص أو الدية.
(٢) الحشوية : فرقة من الفرق الإسلامية أجمعت على الجبر والتشبيه ، وينكرون الخوض في الكلام والجدل ، ويقولون على التقليد وظواهر الروايات والتشبيه ولهذا تسمى بالمشبهة وتنسب هذه الفرقة إلى محمد ابن كرام الذي نشأ في سجستان وتوفي ببيت المقدس سنة ٨٦٩ م.