وكذا عن الصغائر المنفرة لإخلالها بالدعوة إلى الاتباع. ولهذا ذهب كثير من المعتزلة إلى نفي الكبائر قبل البعثة أيضا ، وبعض الشيعة إلى نفي الصغائر ولو سهوا. والمذهب عندنا منع الكبائر بعد البعثة مطلقا ، والصغائر عمدا لا سهوا ، لكن لا يصرون ولا يقرون ، بل ينبهون فيتنبهون ، وذهب إمام الحرمين منا وأبو هاشم من المعتزلة إلى تجويز الصغائر عمدا. لنا. أنه لو صدر عنهم الذنب لزم أمور كلها منتفية.
الأول ـ حرمة اتباعهم. لكنه واجب بالإجماع ، وبقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (١).
الثاني ـ رد شهادتهم ـ لقوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ...) (٢) الآية.
والإجماع على ذلك ، لكنه منتف للقطع بأن من يرد شهادته في القليل من متاع الدنيا لا يستحق القبول في أمر الدين القائم إلى يوم الدين.
الثالث ـ وجوب منعهم وزجرهم ، لعموم أدلة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. لكنه منتف لاستلزامه إيذائهم المحرم بالإجماع ، ولقوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) (٣) الآية.
الرابع ـ استحقاقهم العذاب واللعن واللوم والذم لدخولهم تحت قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (٤) وقوله (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٥) وقوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) (٦) وقوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (٧).
لكن ذلك منتف بالإجماع. ولكونه من أعظم المنفرات.
__________________
(١) سورة آل عمران آية رقم ٣١.
(٢) سورة الحجرات آية رقم ٦.
(٣) سورة التوبة آية رقم ٦١.
(٤) سورة الجن آية رقم ٢٣.
(٥) سورة هود آية رقم ١٨.
(٦) سورة الصف آية رقم ٢.
(٧) سورة البقرة آية رقم ٤٤.