أنه ربما يقال : إن المقصود من الاستدلال هو التوصل إلى التصديق ولا عبرة بانعدام الوسيلة بعد حصول المقصود.
الثالث ـ أن الأصل الذي يقلد فيه إن كان باطلا ، فتقليده باطل بالاتفاق كتقليد اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان أسلافهم. وإن كان حقا فحقيته إما أن يعلم بالتقليد فدور ، أو بالدليل فتناقض. ورد بأن الكلام فيما علم حقيته بالدليل كالأحكام التي علم كونها من دين الإسلام أن من اعتقدها تقليدا هل يكون مؤمنا يجري عليه أحكام المؤمنين في الدنيا والآخرة ، وإن كان عاصيا بتركه النظر والاستدلال ، وأما ما يقال : إن القول بجواز التقليد (١) إن لم يكن عن دليل فباطل. وإن كان فتناقض. فمغالطة ظاهرة ، لا يقال : المقصود أن التقليد لا يكفي في الخروج عن عهدة الواجب فيما وجب العلم به من أصول الإسلام. وبعض هذه الوجوه يفيد ذلك ، لأنا نقول : هذا مما لا نزاع فيه ، ولا حاجة به إلى هذه الوجوه الضعيفة لثبوته بالنص والإجماع على وجوب النظر ، والاستدلال على أنه حكي عن الكعبي (٢) وابن أبي عياش ، وجمع آخر من المعتزلة أن من العقلاء من كلف النظر ، وهم أرباب النظر ، ومنهم من كلف التقليد والظن ، وهم العوام ، والعبيد ، وكثير من النسوان ، لعجزهم عن النظر في الأدلة وتمييزها عن الشبه. لكنهم كلفوا تقليد المحق دون المبطل. والظن الصائب دون الخطأ.
وذكر بعض المتأخرين منهم أن العاجزين كلفوا أن يسمعوا أوائل الدلائل التي تتسارع إلى الإفهام. فإن فهموا كفاهم وهم أصحاب الجمل ، ولا يكلفون تلخيص العبارة ، وإن لم يمكنهم الوقوف عليها ، فليسوا مكلفين أصلا ، وإنما خلقوا
__________________
(١) التقليد : عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقدا للحقية فيه من غير نظر ولا تأمل في الدليل كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه وقيل : عبارة عن قول الغير بلا حجة ولا دليل.
(٢) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي من بني كعب البلخي الخراساني أبو القاسم أحد أئمة المعتزلة كان رأس الطائفة الكعبية وله آراء ومقالات في الكلام انفرد بها وهو من أهل بلخ أقام ببغداد مدة طويلة وتوفي ببلخ عام ٣١٩ ه من كتبه «الطعن على المحدثين» وتأييد مقالة أبي الهذيل. وغير ذلك.