يكن عند الأشعري مؤمنا على الإطلاق ، فليس بكافر لوجود التصديق ، لكنه عاص بتركه النظر والاستدلال ، فيعفو الله عنه أو يعذبه بقدر ذنبه ، وعاقبته الجنة. وهذا يشعر بأن مراد الأشعري أنه لا يكون مؤمنا على الكمال ، كما في ترك الأعمال ، وإلا فهو لا يقول بالمنزلة بين المنزلتين ، ولا بدخول غير المؤمن الجنة ، وعند هذا يظهر أنه لا خلاف معه على التحقيق ، ومنهم من قال : لا بد من ابتناء الاعتقاد على الدليل من الاقتدار على مجادلة الخصوم ، وحل ما يورد عليه من الإشكال ، وإليه ذهبت المعتزلة ، ولم يحكموا بإيمان من عجز عن شيء من ذلك ، بل حكم أبو هاشم بكفره ، فإن بنوا ذلك على أن ترك النظر كبيرة تخرج من الإيمان إذا طرأت وتمنع من الدخول فيه إذا قارنت ، فهي مسألة صاحب الكبيرة ، وقد سبقت. وإن أرادوا أن مثل هذا التصديق لا يكفي في الإيمان أو لا ينفع فمسألة أخرى ، وبهذا يشعر تمسكاتهم وهي وجوه.
الأول ـ أن حقيقة الإيمان إدخال النفس في الأمان من أن يكون مكذوبا ومخدوعا وملتبسا عليه ، على أنه إفعال من الأمن للتعدية أو للصيرورة كأنه صار ذا أمن ، وذلك إنما يكون بالعلم. ورد بأنه يجعل متعلقا بالمخبر مثل : آمنت به ، وله. لا بالسامع. فالمناسب عند ملاحظة الاشتقاق من الأمن أن يقال : معناه آمنه المخالفة والتكذيب على ما صرح به المعتزلة. وذلك بالتصديق سواء كان عن دليل ، أو لا. ولو سلم فالأمن (١) من أن يكون مكذوبا أو مخدوعا يحصل بالاعتقاد الجازم ، وإن كان عن تقليد.
الثاني ـ أن الواجب هو العلم. وذلك لا يكون إلا بالضرورة أو الاستدلال ، ولا ضرورة ، فتعين الدليل. ورد بأنه لا نزاع في وجوب النظر والاستدلال بل في أن ترك هذا الواجب يوجب عدم الاعتداد بالتصديق ، على
__________________
(١) الأمن : هو عدم توقع مكروه في الزمان الآتي ، والإيمان على خمسة أوجه : إيمان مطبوع ، وإيمان مقبول ، وإيمان معصوم ، وإيمان موقوف ، وإيمان مردود ، فالإيمان المطبوع هو إيمان الملائكة ، والإيمان المعصوم هو إيمان الأنبياء والإيمان المقبول : هو إيمان المؤمنين ، والإيمان الموقوف : هو إيمان المبتدعين ، والإيمان المردود : هو إيمان المنافقين.