الأنبياء ، حيث نالت أمتهم ذلك ببركة الاقتداء ، ومما هو قوي في منع الإخبار بالمغيبات قوله تعالى (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١)
والجواب أنه لو سلم عموم الغيب يجوز أن يختص بحال القيمة بقرينة السياق ، إذ يكون القصد إلى سلب العموم ، أو يخص الاطلاع بما يكون بطريق الوحي).
وصفاته : المواظب على الطاعات ، المجتنب عن المعاصي ، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات ، وكرامته ظهور أمر خارق للعادة من قبله ، غير مقارن لدعوى النبوة ، وبهذا يمتاز عن المعجزة ، وبمقارنة الاعتقاد ، والعمل الصالح ، والتزام متابعة النبي عن الاستدراج ، وعن مؤكدات تكذيب الكذابين ، كما روي أن مسيلمة ، دعا لأعور أن تصير عينه العوراء صحيحة ، فصارت عينه الصحيحة عوراء. ويسمى هذا إهانة. وقد تظهر الخوارق من قبل عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكارة ، وتسمى معونة. فلذا قالوا : إن الخوارق أنواع أربعة : معجزة ، وكرامة ، ومعونة ، وإهانة. وذهب جمهور المسلمين إلى جواز كرامة الأولياء ، ومنعه أكثر المعتزلة ، والأستاذ ابو إسحاق يميل إلى قريب من مذهبهم. كذا قال إمام الحرمين ، ثم المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كون الكرامة بقصد واختيار من الولي ، وبعضهم إلى امتناع كونها على قضية الدعوى ، حتى لو ادعى الولي الولاية. واعتقد بخوارق العادات ، لم يجز ، ولم يقع ، بل ربما يسقط عن مرتبة الولاية. وبعضهم إلى امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي ، كانفلاق البحر ، وانقلاب العصا ، وإحياء الموتى.
قالوا : وبهذه الجهات تمتاز عن المعجزات ، وقال الإمام : هذه الطرق غير سديدة. والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العادات في معرض الكرامات. وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة ، حتى لو ادعى الولي النبوة صار عدوا لله ، لا يستحق الكرامة ، بل اللعنة والإهانة.
__________________
(١) سورة الجن آية رقم ٢٦ ، ٢٧.