الخامس ـ أنه يجوز أن يؤثر الطارئ في عدم السابق بشرط أن يسقط من الطارئ مثل السابق من غير لزوم محذور.
والجواب ـ أنه يعود الكلام في سقوط ذلك القدر من الطارئ ، ويلزم المحذور ، نعم يتجه على الوجه الأخير أنه لو جعل زوال كل من الاستحقاقين بالآخر بأن يزيل جزء من هذا جزءا من ذلك ، وبالعكس ، إلى أن يفنى الأقل بالكلية ، ويبقى من الأكثر القدر الزائد لم يلزم شيء من المحالات. لأنه يكون مزيلا للجزء الأخير من الأقل ، إلا أن الإمام إنما أورد هذا البرهان فيما إذا استحق المكلف عشرة أجزاء من الثواب ، ثم فعل معصية استحق بها عشرة أجزاء من العقاب ، فلا يرد عليه هذا. لكن يتجه أن البيان يختص بما إذا تساوى الاستحقاقات. والمعتزلة اضطربوا في مثله ، وزعم أبو هاشم أنه لا يجوز وقوع ذلك لأن المكلف إما في الجنة أو في النار. وأجيب بأنه يجوز أن يرجع جانب الثواب ، فينزل برحمة الله تعالى منزل الكرامة ويحل بفضله دار المقامة ، أو يجمع بين الثواب والعقاب من غير خلوص أحدهما ، أو لا يثاب ، ولا يعاقب. ويكون من أصحاب الأعراف (١) على ما ورد في الحديث. ويمكن دفع استدلال الإمام بأن الاستحقاق اعتبار شرعي ليس له تأثير وتأثر حقيقي ، وفناء بعد وجود. بل معنى إحباط الطاعة أو استحقاق الثواب أن الله تعالى لا يثيب عليها. ومعنى الموازنة أنه لا يثيب عليها ، ولا يعاقب على المعصية بقدرها من غير أن يتحقق في الخارج استحقاقات بينها منافاة ومفاناة ، وأما الثواب والعقاب فلا وجود لهما إلا في الآخرة ، وحينئذ لا اجتماع بينهما ولا اندفاع. بل ذلك إلى حكم الله ومشيئته على وفق حكمته. والأقرب ما قال إمام الحرمين (٢) إنه ليس بإزاء معرفة الله تعالى كبيرة
__________________
(١) قال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا : ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) ويقال : إن أصحاب الأعراف ملائكة وأنبياء فإن قولهم ذلك إخبار عن الله تعالى ، ومن جعل أصحاب الأعراف المذنبين كان آخر قولهم لأصحاب النار (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) وروى عن ابن عباس ، والأول عن الحسن. وقيل : هو من كلام الملائكة الموكلين بأصحاب الأعراف ، فإن أهل النار يحلفون أن أصحاب الأعراف يدخلون معهم النار فتقول الملائكة لأصحاب الأعراف : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)
(٢) سبق الترجمة له في كلمة وافية.