أن الفضاء والخلاء أمر موجود. وظاهر أنه ليس مكانا آخر ، وإلا لزم التسلسل. فقد حصل في الوجود موجود ليس حاصلا في المكان والحيز. وأما الزمان فهو أيضا موجود. والدليل عليه: هو أنا نقسمه إلى السنين ، ونقسم السنين إلى الشهور ، ونقسم الشهور إلى الأيام. ونقسم اليوم إلى الساعات. ونحكم بأن الساعة الواحدة أقل قدرا من اليوم ، الذي هو أقل من الشهر ، الذي هو أقل من السنة. والعدم المحض والنفي الصرف ، يمتنع كونه قابلا للتقسيم إلى الأجزاء ، ويمتنع وصفه بكونه أقل من الأجزاء أو أكثر منها. فيثبت أنه شيء موجود.
وذلك الموجود إما أن يكون متحيزا أو حالا في المتحيز ، أولا متحيزا ولا حالا في المتحيز ويمتنع كونه متحيزا وإلا لكان شيء يكون أقرب إلى ذلك المتحيز ، كان أقرب إلى الزمان ، وكل ما كان أبعد عن ذلك المتحيز ، كان أبعد من الزمان. ومعلوم بالضرورة : أن ذلك باطل قطعا. لأن الأشياء الموجودة في هذا اليوم [وليس بعضها في المفهوم من الحضور في هذا اليوم (١)] أكمل من بعض ، والعلم به ضروري. وبهذا الطريق ثبت أيضا : أنه يمتنع أن يكون عرضا حالا في المتحيز ، وإذا بطل هذان القسمان ، ثبت أن الزمان والمدة موجود من الموجودات مع أنه غير متحيز ولا حال في المتحيز. وذلك هو المطلوب.
واعلم : أنك إذا تأملت ما لخصناه في مسألة الخلاء والمدة في هذا الكتاب ، ووقفت على مذاهب الناس فيهما ، ووقفت على أن الحق هو القول بإثبات الخلاء ، وعلى أن الحق هو أن المدة ليس بمتحيز ولا حركة ، ولكنه موجود مجرد. عرفت قطعا أن القول بإثبات موجود مجرد عن الجسمية : أمر واجب الاعتراف به. وهذا الوجه أقوى الوجوه المذكورة في هذا الباب.
الحجة العاشرة : إن المجسم يقول : كل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا في الآخر ، سريان العرض في الجسم ، أو يكون مباينا عنه بجهة
__________________
(١) من (و)