من الجهات. فأما إثبات موجودين لا يكون أحدهما ساريا في الآخر ، ولا يكون مباينا عنه بجهة [من الجهات فهذا مما لا يقبله العقل (١)].
وأما الدهري فإنه يقول : كل موجودين ، فلا بد وأن يوجدا معا ، أو أن يوجد أحدهما قبل الآخر. والذي يكون قبل الآخر ، إما أن [لا (٢)] توجد بينهما فاصلة بمدة متناهية ، أو فاصلة بمدة غير متناهية. إذا ثبت هذا التقسيم ، فنقول : الباري والعالم. إن وجدا معا ، لزم أن يكونا قديمين معا ، أو محدثين معا. فأما القول بقدم الله تعالى وحدوث العالم على هذا التقدير : فهو غير مقبول ، وأما القول بكون العالم محدثا ، مع أن الله تقدمه [من غير فاصلة (٣)] أو تقدمه [بمدة غير (٤)] متناهية. فهذا أيضا يقتضي حدوث [ذات (٥)] الله تعالى ، وأما القول بكون العالم محدثا ، مع أن الله تقدمه بمدة غير متناهية. فهذا يقتضي قدم المدة والزمان. وأما فرض كونه تعالى متقدما على العالم ، لا على أحد هذه الأقسام ، فذاك مما لا يقبله العقل.
فالحاصل : أن المجسم لا يمكنه أن يعقل (٦) كونه تعالى مباينا للعالم إلا بالحيز والجهة. والدهري لا يعقل كونه تعالى متقدما على العالم (٧) إلا بالمدة والزمان. ثم إن المجسم مقر بأن الذي يقوله الدهري من عمل الوهم والخيال. وأنه في نفسه ليس بحق (٨). والدهري معترف بأن الذي يقوله المجسم من عمل الوهم والخيال. وأنه في نفسه كاذب. فصار قول كل واحد منهما معارضا بقول الآخر ، ويظهر منه بطلان كلا القولين وأن الحق : أنه تعالى مباين للعالم لا بسبب الحيز والجهة. وأنه تعالى سابق على العالم لا بسبب المدة والزمان. بل نقول : إن الجهة المعينة مباينة لسائر الجهات لا بسبب الحيز والجهة ، والزمان المعين مباين لسائر الأزمنة لا بسبب المدة والزمان. فإن الزمان غير حاصل في زمان آخر. وإذا كان الأمر كذلك في الجهة وفي المدة. فبأن
__________________
(١) من (و).
(٢) من (و).
(٣) من (و).
(٤) من (س).
(٥) من (س).
(٦) يعتقد (س).
(٧) الآخر (س).
(٨) من (و).