لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى (١)] واحد منزه عن التأليف والتركيب. ومع ذلك فإنه يكون عظيما؟ قوله : «العظيم يجب أن يكون مركبا منقسما» قلنا : سلمنا أن العظيم يجب أن يكون منقسما في الشاهد ، فلم قلتم : إنه يجب أن يكون كذلك في الغائب؟ فإن قياس الغائب على الشاهد من غير جامع باطل. ثم نقول : لم يجوز أن يكون غير منقسم ، ويكون في غاية الصغر؟ قوله : «إنه على هذا التقدير يكون حقيرا. وذلك على الله محال». قلنا : الذي لا يمكن أن يشار إليه البتة ولا يمكن أن نحس به ، يكون كالعدم ، فيكون أشد حقارة. وإذا جاز هذا فلم لا يجوز ما ذكرناه؟
والجواب عن الأول : أن نقول : إنه إذا كان عظيما في الإشارة الحسية كان منقسما فليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد. بل هذا بناء على البرهان القطعي. وذلك لأنا. إذا أشرنا إلى نقطة لا تنقسم ، فإما أن يحصل فوقها شيء آخر أو لا يحصل ، فإن حصل فوقها شيء آخر ، كان ذلك الفوقاني ، مغايرا للتحتاني. إذ لو جاز أن يقال : ذلك الفوقاني هو عين التحتاني ، فحينئذ يكون قد حصل الشيء الواحد دفعة واحدة في حيزين ، وذلك باطل في البديهة. ولأنه لو جاز ما ذكرتم ، لجاز أن يقال : إن هذا الجبل ليس إلا جوهرا فردا ، وجزءا لا يتجزأ. إلا أنه حصل في أحياز كثيرة ، فلهذا السبب نشاهده شيئا عظيما ، مع أن ذلك لا يقوله عاقل. وأما أنه لم يحصل فوق تلك النقطة شيء آخر ، لا على يمينها ولا على يسارها ولا من تحتها ، فحينئذ يكون ذلك المشار إليه نقطة غير منقسمة ، وجزءا لا يتجزأ فيكون في غاية الحقارة ، وذلك باتفاق العقلاء باطل. فيثبت : أن هذا الشيء ليس من باب قياس الغائب على الشاهد ، بل هو مبني على التقسيم الدائر بين النفي والإثبات.
واعلم : أن الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف أسوأ حالا من هؤلاء الكرامية. وذلك لأنهم اعترفوا بكونه مركبا من الأجزاء والأبعاض. وأما هؤلاء
__________________
(١) من (و).