مغاير للحيز المطلوب ، والمنتقل منه مغاير للمنتقل إليه.
فيثبت بهذه الوجوه الثلاثة : أن الحيز والجهة أمر موجود.
ثم إن المسمى بالحيز والجهة موجود مستغن في وجوده عن ما يتمكن فيه ، ويستقر فيه، وأما الذي يكون مختصا بالحيز والجهة فإنه يكون مفتقرا إلى الحيز والجهة ، فإن الشيء الذي يكون مشارا إليه بحسب الحس يمتنع حصوله إلا مختصا بالحيز والجهة. فيثبت : أنه تعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة ، لكان مفتقرا في وجوده إلى الغير وإنما قلنا : إنه محال. لوجوه :
الأول : إن المفتقر في وجوده إلى الغير ، يكون بحيث يلزم من عدم ذلك الغير عدمه ، وكل ما كان كذلك كان ممكنا لذاته وذلك في حق واجب الوجود لذاته محال.
الثاني : إن المسمى بالحيز والجهة أمر مركب من الأجزاء والأبعاض ، لما بينا (١) أنه يمكن تقديره بالذراع ، ويمكن وصفه بالزائد والناقص. وكل مركب فإنه مفتقر إلى جزئه. وجزؤه غيره. فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره ، فيكون ممكنا لذاته ، ينتج : أن الشيء المسمى بالحيز والجهة ممكن لذاته. فلو كان الله تعالى مفتقرا [إليه ، لكان مفتقرا (٢)] إلى الممكن لذاته ، والمفتقر إلى الممكن أولى بأن يكون ممكنا لذاته. فالواجب لذاته ممكن لذاته. هذا خلف.
الثالث : لو كان الباري تعالى أزلا وأبدا مختصا بالجهة والحيز ، لكان الجهة والحيز موجودا في الأزل ، فيلزم إثبات قديم غير الله ، وذلك محال بالإجماع.
فيثبت بهذه البيانات : أنه تعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة ، فإنه تلزم هذه المحالات، فوجب أن نقطع بكونه تعالى ، منزها عن الحيز والجهة ، دفعا لهذه المحالات. فإن قيل : إنه لا معنى لكونه تعالى مختصا بالحيز والجهة إلّا كونه
__________________
(١) ثبت (م).
(٢) من (س).