هذا البعد غير متناه ، لزم أن يقال : إن ما لا نهاية له محصور بين حاصرتين وذلك محال. فثبت فساد هذه الأقسام الثلاثة ، ويلزم من فسادها القول بتنزيه ذات الله تعالى عن المكان والحيز.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنه مماس للعرش ، أو مباين له بينونة متناهية؟ قوله : «إنه لو كان كذلك ، لكان الذي يماس منه أحد أجزاء العرش ، مغاير للذي يماس منه الجزء الثاني» قلنا : لا نسلم. ولم لا يجوز أن يقال : إنه شيء واحد ، وهو بعينه حاصلا في جميع الأحياز ، وهو بعينه يماس جميع أجزاء العرش ، أو يحاذيها؟ وأقصى ما في الباب أن هذا في الجوهر الفرد محال ، فإن الجوهر الواحد لا يحصل في الأحياز الكثيرة دفعة واحدة. فلم قلتم : إنه لما كان الأمر كذلك في الجوهر ، وجب أن يكون الأمر كذلك في حق الباري تعالى؟ فإن قياس الغائب على الشاهد مطلقا باطل ، لا سيما على مذهبكم فإن الأصل المعتبر في إثبات التنزيه أن قياس الغائب على الشاهد لا يجوز.
سلمنا أنه يلزم منه كونه تعالى مركبا من الأجزاء والأبعاض. فلم قلتم : إن ذلك محال؟ ولم لا يجوز أن يقال : إنه وإن كان مؤلفا من الأجزاء ، إلا أنها لا تقبل التفرق والتمزق بل هي واجبة البقاء على نسق واحد؟
سلمنا أن ذلك باطل إلا أن هذا إنما يلزم ، إذا قلنا : إنه تعالى محاذ للعرش ببعد متناه أما إذا قلنا : إنه مباين للعرش ببعد غير متناه فهذا غير لازم. أما قوله «لو كان كذلك ، لزم أن يكون ما لا نهاية له محصورا بين حاصرين ، وذلك محال» قلنا : أليس أن الله تعالى قديم أزلي؟ فعلى هذا أنه لا أول لوجوده في جانب الأزل ، أما وجوده من الجانب الذي يلينا (١) فإنه مقارن لوجود كل واحد من هذه الحوادث ، فإذا جاز في المدة والزمان أن تكون ذاته مباينة لهذه الحوادث ، من جانب الأزل بينونة غير متناهية ، مع أنه يكون مقارنا للعالم في جانب الأبد. فلم لا يجوز أيضا أن يقال : إن ذاته مباينة للعرش ببعد
__________________
(١) يلينا (س) بينا (و).