المقتضى لقبول هذه القسمة هو كون الشيء مشارا إليه بحسب الحسّ ، وعلى هذا التقدير فما لم تقيموا الدلالة على أنه تعالى مشارا إليه بحسب الحسّ فإنه لا يمكن أن يقال : إنه يجب أن يكون إما مجانبا للعالم أو مباينا عنه بالجهة ، لكن كونه تعالى بحيث تصح الإشارة إليه بحسب الحس ، هو عين ما وقع النزاع فيه ـ وحينئذ يتوقف صحة الدليل على صحة المدلول وذلك يفضى إلى الدور ، وأنه باطل.
الثاني : إنه لا شك أن الجوهر والعرض يخالفان ذات الله تعالى ، والأمر الذي به يخالفان ذات الله وصفاته ، مفهوم مشترك بينهما ، فلم لا يجوز أن يكون المقتضى لقبول القسمة إلى المجانب وإلى المباين ، هو ذلك المفهوم المشترك؟
السؤال السادس : سلمنا الحصر ، فلم لا يجوز أن يكون المقتضى لقبول هذه القسمة هو الحدوث؟] قوله : [الحدوث (١)] ماهية مركبة من العدم والوجود» قلنا الممكن هو الذي تكون ماهيته قابلة للعدم والوجود ، وكون الشيء بحيث ينقسم إلى المجانب والمباين معناه قبول الانقسام إلى هذين القسمين.
فالقابلية إن كانت صفة وجودية كانت كذلك في الموضعين ، وإن كانت صفة عدمية فهي كذلك في الموضعين ، فتعليل أحدهما بالآخر يقتضي إما تعليل وجود بوجود ، أو تعليل عدم بعدم ، ولا امتناع في واحد من هذين الأمرين.
أما قوله ثانيا : «لو كان المقتضى لهذا الحكم هو الحدوث لكان الجهل بحدوث الشيء يوجب الجهل بهذا الحكم» قلنا : لم قلتم : إن الجهل بالمؤثر يوجب الجهل بالأثر؟ ألا ترى أن جهل الناس بموجبات الصحة والمرض ، لا يوجب جهلهم بحصول الصحة والمرض. وجهل الدهريين بكونه تعالى قادرا على الخلق والتكوين ، لا يوجب جهلهم بوجود هذا العالم؟ وأيضا : إن كان الجهل بالمؤثر يوجب الجهل بالأثر ، لكان العلم بالمؤثر ، أولى أن يوجب العلم بالأثر فعلى هذا التقدير لو كان المقتضى للانقسام إلى المجانب وإلى المباين بالجهة
__________________
(١) من (س).