والجهة؟ ومن المعلوم بالضرورة أن امتناع ذلك غير معلوم بالضرورة ، لأنا قد ذكرنا أن المراد بالرؤية نوع من الانكشاف ، نسبته إلى المرتبة الثانية كنسبة رؤية اللون إلى تصور ماهية اللون ولا شك أن الحكم بجواز حصول هذه الحالة ، وبامتناع حصولها ، مما يتوقف العقل فيه ، ولا يمكنه الجزم به ، لا بالنفي ولا بالإثبات ، إلا بالدليل المنفصل.
والتحقيق فيه : إن محض الاستبعاد إن كان حجة في العدم (١) ، كان القول بإثبات موجود لا يكون في الجهة والحيز محالا ، وهذا باطل عند المعتزلة والفلاسفة ، وإن لم يكن حجة ، وجب أن لا يكون محض الاستبعاد هاهنا أيضا حجة ، فالقول بأنه حجة هاهنا وليس حجة هناك : متناقض فاسد.
المقدمة الثالثة : إن رؤية الله تعالى بالتفسير المذكور بتقدير أن تحصل فمحلها هو هذه العين والحدقة أم جوهر النفس؟ والأول كالمستبعد جدا وأما أن محل ذلك الإدراك الشريف هو جوهر النفس الناطقة فهذا أقرب إلى العقل.
فهذه مقدمات لخصناها قبل الشروع في ذكر الدلائل.
ولترجع إلى المقصود فنقول : أما القائلون بأنه تمتنع رؤية الله فقد احتجوا بوجوه :
الحجة الأولى : قالوا : لو صحت رؤيته ، لوجب أن نراه الآن ، والثاني باطل. فالمقدم باطل. بيان الملازمة إنما يظهر عند تقديم مقدمة ، وهي أن نقول : إن عند حصول ثمانية أنواع من الشرائط فإنه يجب حصول الرؤية. أولها : كون الحاسة سليمة. والثانية : كون الشيء بحيث تصح رؤيته. وثالثها : أن لا يحصل القرب القريب. ورابعها : أن لا يحصل البعد البعيد. وخامسها : أن لا يكون المرئي في غاية الصغر. وسادسها : أن لا يكون في غاية اللطافة مثل الهواء. وسابعها : أن لا يتوسط بين الرائي وبين المرئي شيء من الحجب. وثامنها : أن يكون المرئي مقابلا للرائي أو في حكم المقابل.
__________________
(١) القدم (و).