أن نقول : أليس من مذهب المتكلمين : أن التغير يمتنع في صفات الله تعالى ، وأن العدم على القديم : محال. فإذا كانت إرادة الله تعالى ، متعلقة من الأزل إلى الأبد ، بترجيح وجود الحادث المعين على عدمه ، وكانت قدرته من الأزل إلى الأبد متعلقة بإيجاد ذلك الحادث المعين في ذلك الوقت المعين ، وكان علمه متعلقا بوقوع ذلك الحادث المعين ، في الوقت المعين. إذا ثبت هذا ، فنقول : إن مع حصول هذه الصفات الثلاثة واجتماعها على اقتضاء وقوع ذلك الحادث ، إما أن يمكن أن لا يقع ذلك الفعل ، وإما لا يمكن والأول باطل ، لأن ذلك يقدح في كون هذه الصفات مؤثرة في وقوع ذلك الفعل ، ولأنه يلزم وقوع التغير في صفات الله [تعالى] (١) فإنه تعالى إذا أراد شيئا آخر ، غير ما أراده في الأزل ، لزم زوال تلك الإرادة [الأزلية] (٢) وحدثت إرادة أخرى. وأيضا : لزم أن ينقلب ذلك العلم جهلا ، وكل ذلك : محال. فيثبت : أن تغير تلك الصفات ممتنع عقلا (٣) وإن عدم وقوع ذلك الحادث في الوقت المعين ، الذي تطابقت الصفات الثلاثة على اقتضاء وقوعه فيه ، ممتنع عقلا. وهذا يقدح في قولهم : إن شرط القادر : أن يكون متمكنا من الفعل والترك ، بل على هذا التقدير ، يلزم أن يقال : إنه تعالى يؤثر (٤) في الأفعال على سبيل الوجوب ، لا على سبيل الإمكان ، المتردد بين الوجود والعدم.
الحجة الخامسة في هذا الباب : أن نقول : لا شك أنه تعالى عالم بجميع المعلومات. فوجب أن يعلم أن الشيء الفلاني ، يقع في الوقت الفلاني [وأن الشيء الفلاني لا يقع في الوقت الفلاني] (٥) وخلاف المعلوم : محال الوقوع. لأن عدم وقوع الشيء ، مع العلم بوقوعه ضدان ، والجمع بين الضدين : محال عقلا. وإذا كان كذلك ، فما علم الله وقوعه ، كان واجب الوقوع ، وما علم
__________________
(١) من (ت)
(٢) من (ط ، س)
(٣) أصلا (ط)
(٤) مؤثر (ط)
(٥) من (ط)